بيان صادر عن رابطة الحقوقيين الأحرار
بخصوص اللقاء الرسمي مع شخصية مرتبطة بإنكار جرائم الحرب وتضليل العدالة
تتابع رابطة الحقوقيين الأحرار بقلق بالغ اللقاء الرسمي الذي جرى مؤخرًا بين القائم بأعمال وزارة الصحة مع شخصية سبق أن ارتبط اسمها بإنكار موثّق لجرائم كبرى وقعت خلال سنوات النزاع، ومنها جرائم الحرب باستخدام السلاح الكيميائي، والمشاركة في الترويج لروايات تُقوّض الحقائق المثبتة بتقارير صادرة عن منظمات دولية، وفي مقدمتها تقارير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة.
إن الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2025، والذي يمثل المرجعية العليا المنظمة للمرحلة الانتقالية، نصّ بوضوح في المادة 49 على التزام الدولة بتحقيق عدالة انتقالية شاملة من خلال إنشاء هيئة مختصة بهذا الغرض، مع تأكيده على استثناء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية من مبدأ عدم رجعية القوانين. وهذا يعني أن أي تبرير أو إنكار لهذه الجرائم لا يمكن أن يكون مقبولًا أخلاقيًا أو قانونيًا، بل يُعد محاولة للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للضحايا وذويهم.
كما نصت المادة 12 من الإعلان على أن جميع المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية تُعد جزءًا لا يتجزأ من الإطار الدستوري، بما يشمل اتفاقية منع الإبادة الجماعية، واتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتُجرّم هذه الاتفاقيات كل أشكال التبرير أو التستر على الجرائم الدولية، كما تكرّس مبدأ الحق في الحقيقة، والالتزام بـعدم إعادة تدوير المتورطين في الانتهاكات ضمن المجال العام.
إن اللقاءات الرسمية، في ظل السياق الدستوري الجديد، يجب أن تلتزم بروح الإعلان الدستوري ومبادئه، لا سيما ما يتعلق بـ:
1.احترام حقوق الضحايا وكرامتهم، كما نصّت عليه المادة 18 التي تحظر التعذيب والاختفاء القسري وتُعلن أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم.
2.تعزيز الثقة العامة بمؤسسات الدولة من خلال سياسات واضحة لنبذ خطاب الإنكار، ومحاسبة كل من ساهم في تضليل العدالة أو تبرير الجرائم.
3.تمكين هيئة العدالة الانتقالية من أداء دورها باستقلال، بعيدًا عن الضغوط أو محاولات طمس الذاكرة الجمعية، وهو ما يتطلب التزامًا مؤسسيًا واضحًا من كافة مؤسسات الدولة.
إن منح من تورطوا في تبرير أو إنكار الجرائم منصة رسمية، في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ سوريا، لا يتوافق مع متطلبات المرحلة الانتقالية، ولا مع جوهر الإعلان الدستوري الذي يهدف إلى طي صفحة الاستبداد والانتهاكات، وفتح أفق جديد من العدالة والمساءلة وعدم التكرار.
وعليه، تدعو رابطة الحقوقيين الأحرار إلى:
1.إصدار توضيح رسمي من الجهات المعنية حول خلفيات اللقاء وأسبابه.
2.تبني سياسة واضحة قائمة على معايير الإعلان الدستوري تمنع تكرار مثل هذه اللقاءات، وتفصل بشكل واضح بين من خدموا العدالة، ومن سعوا إلى طمسها.
3.تجديد الالتزام بمحاسبة كل من ساهم أو تواطأ في انتهاك حقوق الإنسان، أو شارك في إعاقة العدالة، وذلك انسجامًا مع أحكام الإعلان الدستوري والمعاهدات الدولية التي باتت جزءًا من الإطار القانوني للدولة السورية.
إن العدالة لا تُجزأ، وذاكرة الضحايا ليست قابلة للمساومة، والمحاسبة ليست خيارًا، بل التزام دستوري وأخلاقي في بناء سوريا الجديدة.
رابطة الحقوقيين الأحرار
دمشق، 23 آذار 2025