شاركت رابطة المحامين السوريين الأحرار (FSLA) في جلسة الإحاطة الرسمية التي عقدتها لجنة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يوم الاثنين 8 تموز/يوليو 2024، وذلك في الدورة 141 لمراجعة ملف سوريا أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان. وجاءت هذه المشاركة بناءً على تقرير أرسلته اللجنة للنظام السوري تطلب منه الرد على قائمة المسائل المتعلقة بالتقرير الدوري الرابع للجمهورية العربية السورية، والتي تضمنت معلومات مقدمة من منظمات المجتمع المدني.
في أبريل 2023، قامت FSLA بالتعاون مع 18 منظمة مجتمع مدني بتطوير ملفين قانونيين حول بعض المشاغل غير الحصرية لواقع حقوق الإنسان في سوريا في تقرير مشترك ، وتم اعتماد قائمة المسائل في الدورة 137. وفي فبراير 2024، قدم النظام السوري رده على قائمة المسائل بتقرير للجنة المعنية بحقوق الإنسان، مما دفع اللجنة إلى دعوة منظمات المجتمع المدني للرد على هذا الرد، وحضور جلسة الإحاطة الرسمية.
قدمت FSLA تقريرًا ردت فيه على 7 فقرات من قائمة المسائل، تشمل الإطار الدستوري، حالات الاختفاء القسري، الحرية والأمن الشخصي، الحق في الخصوصية وحرية التنقل والمشردون داخلياً، وحرية التعبير. وتم اعتماد هذا التقرير على موقع لجنة العهد الدورة 141، وتمت الموافقة على حضور جلسة الإحاطة الرسمية لمناقشة اللجنة بحضور ممثلي النظام السوري.
حضر المحامي سامر الضيعي، المدير التنفيذي لـ FSLA ، جلسة الإحاطة الرسمية وألقى بيانًا قانونيًا أمام لجنة العهد، متضمنًا ملخصًا عن التقرير والتأكيد على ما ورد فيه، والتمس من اللجنة توجيه التوصيات الواردة في تقريرنا للإجابة عنها. وفي كلمته، قال:
“أشكر اللجنة على جهودهم في ترسيخ حقوق الإنسان حول العالم. يحزنني أن أكون في جنيف أتحدث عن وضع حقوق الإنسان في سوريا من خلال منظمة أممية بدلًا من أن أكون وملايين السوريين داخل وطننا، نعالج هذه القضايا سويًا. ولكن عدم احترام الحكومة السورية لحقوق الإنسان هو ما يحرم ملايين السوريين من العودة إلى وطنهم. فعلى مدار خمسة عقود، رسخ نظام حزب البعث ثقافة عدم احترام سيادة القانون والإفلات من العقاب، فكان بذلك مسؤولًا عن انتهاكات لواجبات سوريا (الإيجابية والسلبية) المنصوص عليها في العهد. لا حاجة لذكر انتهاكات حكومات حزب البعث، وخاصة منذ اندلاع المظاهرات في سوريا، فالتقارير المحلية والأممية كافية لتوضيح أن الحكومة السورية انتهكت كل مادة من مواد العهد بلا استثناء.”
وأضاف:
“إن أخطر ما يهدد احترام حقوق الإنسان في سوريا هو بنية النظامين السياسي والقضائي التي خلقت بيئة خصبة لنشوء إيديولوجية عززت ثقافة الإفلات من العقاب والتسلطية. هذان العاملان (البنيوي والإيديولوجي) كفيلان بتقويض أي نص قانوني مهما كان محكم الصياغة. ولعل العامل الإيديولوجي هو الأخطر، ولهذا فإن الحديث عن سن قوانين جديدة كوسيلة لحماية حقوق الإنسان هو ذر للرماد في العيون، حيث يتعذر تطبيق هذه النصوص في هذه البيئة التي هي نتاج حالة الطوارئ التي أعلنت بالأمر العسكري رقم 2 عام 1963 واستمرت قرابة نصف قرن.”
“عند إعلان حالة الطوارئ، كانت سوريا تدار وفق دستور مؤقت ومراسيم تشريعية وعسكرية استثنائية في ظل غياب تام لسيادة القانون. وفي هذه البيئة تم صياغة دستور سوريا الدائم لعام ١٩٧٣، الذي هو الأساس لدستور سوريا الحالي لعام ٢٠١٢. للمفارقة، لقد تم صوغ الدستور والمصادقة على العهد بالتزامن مع وجود مراسيم استثنائية تتعارض مع كافة بنود العهد. وما كان استثنائيًا نال لاحقًا صفة الديمومة، حيث أدرج النظام نص المادة 154 لتي تنص على: تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه.” على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية.
“إن أي حديث عن الالتزام بالعهد وإدماجه في النظام القانوني السوري هو أمر متعذر نظرًا لسمو المراسيم الاستثنائية على الدستور. لقد طعن الدستور في سموه على القوانين الأخرى في مقتل، وقوض مفاعيل أي حماية يقرها لحقوق الإنسان من خلال المادة 154. لقد جعلت هذه القاعدة من الدستور نكتة في المجتمع السوري. كيف لا وقد ضرب الدستور بعرض الحائط المواد غير القابلة للتقييد وفقًا للمادة 4 (2) من العهد الدولي، ومنها المادة السادسة المتعلقة بالحق في الحياة، والمادة السابعة المتعلقة بمنع التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والمادة 15 التي نصت على عدم رجعية التجريم، والمادة 16 المتعلقة بالاعتراف بالشخصية القانونية، والمادة 18 المتعلقة بحرية الفكر والوجدان والدين
“في ظل هذه البيئة، تعاملت الحكومة السورية مع الأشخاص على إقليمها وضمن ولايتها منذ عام 2011 تلك البيئة هي ما سهل التعذيب الذي أوضحته صور قيصر، والقتل خارج نطاق القضاء في فيديو مجزرة التضامن، والاختفاء القسري، وانتهاكات حق المحاكمة العادلة من قبل محكمة الإرهاب المعفاة من الشروط الإجرائية التي تمنع المحامين من الوصول إلى ملف الدعوى للتحضير. كل ذلك دون محاسبة.”
في ختام البيان، قدمت رابطة المحامين السوريين الأحرار شكرها للجنة المعنية بحقوق الإنسان على تعاونها وجهودها المستمرة في تحسين واقع حقوق الإنسان في سوريا. وأكدت الرابطة التزامها بمواصلة التعاون مع كافة هيئات مجلس حقوق الإنسان. كما أعربت عن تقديرها لجهود منظمات المجتمع المدني السورية التي قدمت تقارير للجنة وسعت لحضور جلسة الإحاطة، ودعت باقي المنظمات إلى الانخراط الفعّال في هذا السياق.
وأشادت الرابطة بالجهود التي يبذلها الفريق القانوني في إعداد هذا الملف على مدار أكثر من عام، مؤكدة التزامها الكامل بأهدافها الاستراتيجية التي تتضمن نشر المعرفة القانونية في المجتمع السوري، وتعزيز قيم المواطنة والعدالة، والتمكين السياسي، وضمان احترام سيادة القانون. كما تسعى الرابطة إلى إعادة هيكلة المؤسسات القانونية، وتطوير النظام القضائي وضمان استقلاله، وتوفير العدالة لجميع الضحايا، وضمان مساءلة مرتكبي الجرائم ومنع إفلاتهم من العقاب، وصولاً إلى بناء دولة سورية قائمة على القانون والعدل.