تم إعلان حالة الطوارئ في سوريا بموجب الأمر العسكري رقم /2/ لعام 1963 استناد للقانون الخاص بحالة الطوارئ بالمرسوم التشريعي 51 لعام 1962 وبموجب هذا القانون تم إنشاء العديد من المحاكم الاستثنائية ومنها محكمة أمن الدولة العليا و المحاكم العسكرية و في عام 2011 تم رفع حالة الطوارئ بموجب المرسوم التشريعي رقم 161// لعام 2011 وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا ، بموجب المرسوم التشريعي رقم53 لعام 2012 ومن ثم تم إقرار قانون مكافحة الإرهاب رقم19 لعام 2012 وإنشاء)) محكمة مكافحة الإرهاب(( بالقانون رقم22 لعام 2012 1 و في عام 2011 حدثت إضرابات داخلية في سوريا وما لبثت لتطورت في عام 2012 إلى نزاع مسلح غير دولي بين الحكومة السورية والجماعات المعارضة للحكومة السورية وحول مدى مشروعية قانون مكافحة الإرهاب و تشكيل محكمة مكافحة الإرهاب و الأحكام القضائية الصادرة عنها بما يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و هل تشكل هذه الأحكام انتهاك لحقوق الإنسان للشعب السوري.
قانون مكافحة الإرهاب
صدر قانون مكافحة الإرهاب بموجب المرسوم التشريعي رقم 19 للعام 2012 والذي تضمن في مواده تعاريف بالعمل الإرهابي والمنظمة الإرهابية وتمويل الإرهاب وعقوبات القيام بالعمل الإرهابي أو الترويج للأعمال الإرهابية
المادة / 8/ : الترويج للأعمال الإرهابية
يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من قام بتوزيع المطبوعات أو المعلومات المخزنة مهما كان شكلها
بقصد الترويج لوسائل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية وتنزل العقوبة نفسها بكل من أدار أو استعمل موقعا الكترونيا لهذ الغرض ونصت المادة : /11/ : للنائب العام المختص أو لمن يفوضه أن يأمر بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية أو ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إذا كانت هناك دلائل كافية على ذلك ضمانا لًحقوق الدولة والمتضررين
المادة /12/
في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها
قانون تشكيل محكمة مكافحة الإرهاب
- اختصاص المحكمة
صدر قانون )) تشكيل محكمة مكافحة الإرهاب(( بموجب المرسوم رقم 22 لعام 2012 ونص في مواده المادة //3 : تختص المحكمة المحدثة بالنظر في جرائم الإرهاب وفي الجرائم التي تحال إليها من قبل النيابة العامة الخاصة بالمحكمة. المادة / 4/ : يشمل اختصاص المحكمة جميع الأشخاص من مدنيين وعسكريين. المادة /6/ : لا تخضع الاحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة لإعادة المحاكمة في حال إلقاء القبض على المحكوم عليه إلا إذا كان قد سلم نفسه طواعية. المادة 7// : مع الاحتفاظ بحق الدفاع لا تتقيد المحكمة بالأصول المنصوص عليها في التشريعات النافذة وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والمحاكمة.
- تشكيل المحكمة
تتكون تشكيلة المحكمة وهيكلتها الحالية على الشكل التالي:
النيابة العامة: وهي تتألف من ثمانية قضاة بما فيهم رئيس النيابة وقاض عسكري
قضاة التحقيق: هم سبع قضاة – بحسب الجرم – ويرأس كل منهم غرفة تحقيق مختلفة.
محكمة الجنايات: من ثلاثة قضاة كل منهم بمرتبة مستشار رئيس وعضوين أحدهما عسكري وتتم تسميتهم بمرسوم بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى.
أصول المحاكمات أمام محكمة الإرهاب
نصت مواد المرسوم المذكور على أصول المحاكمات المتبعة قانونا ضمن هذه المحكمة و هي : المادة2/ / : ب – يسمى قاضي التحقيق بمرسوم بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى ويخول إضافة إلى صلاحياته بصلاحيات قاضي الإحالة التي تنص عليها القوانين النافذة المادة6/ / : لا تخضع الاحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة لإعادة المحاكمة في حال إلقاء القبض على المحكوم عليه إلا إذا كان قد سلم نفسه طواعية.
المادة/ 7 / : مع الاحتفاظ بحق الدفاع لا تتقيد المحكمة بالأصول المنصوص عليها في التشريعات النافذة وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والمحاكمة. المادة / 8 / : تنقل إلى المحكمة المحدثة دعاوى الإرهاب التي هي قيد النظر أمام سائر المحاكم بحالتها الراهنة.
من حيث قانونية تشكيل محكمة الإرهاب و ومشروعية الأحكام الصادرة عنها
- تعديل قانون الضابطة العدلية
بداية يجب أن نشير أن الحكومة السورية أصدرت المرسوم التشريعي رقم55 تاريخ21 نيسان / أبريل2011 ، المعدل بالمرسوم التشريعي رقم109 تاريخ28 آب/ أغسطس2011 ، ليضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية تعديلاً يسمح بموجبه بشكل غير مباشر لعناصر الضابطة العدلية ) المسمين صراحة في القوانين( أن تفوض مهامها إلى آخرين بدون أي تعيين. وقد جاء ذلك للسماح للأجهزة الأمنية الأخرى ( أجهزة المخابرات و الأمن العسكري ) على إحالة المتهمين إلى محكمة الإرهاب مباشرة و لم يعد يقتصر ذلك على عناصر الضابطة العدلية مما يتيح لهم تلفيق التهم دون ضوابط قانونية و ذلك بعتبر مخالفة صريحة لأحكام الدستور بعدم تعين صريح وواضح للمفوضين بهذه الصلاحية مما يسمح لأي جهة أمنية باعتقال أي شخص و إحالته لمحكمة الإرهاب بعد انتزاع الاعترافات منه بالقوة و الإكراه و الكل يعلم أنه لا يستطيع أي محام تمثيل المتهم أمام هذه الجهات الأمنية.
- أصول المحاكمات أمام محكمة الإرهاب
نص قانون المحكمة صراحة في المادة /5/ منه على إعفاء المحكمة من التقيد بالأصول والإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية ويتجسد هذا بنص المادة /2/ فقرة ب : يسمى قاضي التحقيق بمرسوم بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى ويخول إضافة إلى صلاحياته بصلاحيات قاضي الإحالة التي تنص عليها القوانين النافذة مما يجعل الاختصاص لنفس قاضي التحقيق الصادر عنه الحكم بالاتهام بالبت بطلب الاستئناف قرار الاتهام الصادر عنه
وهذا يشكل مخالفة جسيمة للدستور السوري بنص المادة /28/ فقرة /4/ : حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون و يشكل الطعن بالقرار أمام نفس القاضي مصدر لقرار حرمان المتهم من حق الطعن و كذلك الأمر ينطبق على المادة: /6 / لا تخضع الاحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة لإعادة المحاكمة في حال إلقاء القبض على المحكوم عليه إلا إذا كان قد سلم نفسه طواعية اي إذا تم إلقاء القبض عليه يفقد حقه بالطعن بالقرار الغيابي و يصبح القرار مبرما بحقه و ينفذ العقوبة وحرمانه من حق الدفاع المصون بالدستور بنص المادة /28/ فقرة /4/ و حرمانه من حق الطعن يشكل مخالفة لإحكام الدستور
ومخالف لنص المادة 333 من القانون112 لعام50 19 قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص : (إذا سلم المتهم الغائب نفسه إلى الحكومة أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بالتقادم فيعتبر الحكم وسائر المعاملات الجارية، اعتباراً من صدور مذكرة إلقاء القبض أو قرار المهل، ملغاة حكماً، وتعاد المحاكمة وفقا للأصول العادية)
مما ذكر سابقا من نصوص المواد /2 -5 -6 / من قانون اصول المحاكمات لمحكمة الإرهاب يخالف مبدأ حق المحاكمة العادلة التي يكفلها الدستور و يشكل انتهاك للحقوق والضمانات المكفولة بموجب المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية 3 مما يرتب مسؤولية الحكومة السورية على جميع الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة بما تشكل لانتهاك حقوق الإنسان بالحق في المحاكمة العادلة.
- جاء في المادة 11 من القانون19 لعام 2012 الحجز على ممتلكات المحالين إلى هذه المحكمة
للنائب العام المختص أو لمن يفوضه أن يأمر بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية أو ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون». كما صدر المرسوم التشريعي رقم63 تاريخ16 / 9/ 2012 أجاز فيه لسلطات (الضابطة العدلية) أن تطلب من وزير المالية اتخاذ الإجراءات التحفظية كالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهمين والمنع من السفر في معرض التحقيقات التي تجري بموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012
وهذا النص فيه مخالفة لنص الدستور السوري المادة /15/ الفقرة /3/ : لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي, وحيث انه يتم الحجز على الأموال بدون حكم قضائي مبرم و حتى في حال صدور حكم كما شرحنا بالفقرة السابقة فإن هذا الحكم يشوبه البطلان من الناحية الشكلية لصدوره ولا يعتبر قانوني و بالتالي يعد نزع الملكية من المتهم تعسفيا ويشكل انتهاك للحقوق والضمانات المكفولة بموجب المادة 17 فقرة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 4 (لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا).
التطبيق القانوني
حيث أن القانون الواجب لتطبيق في سوريا هو القانون الدولي الإنساني و يعتبر جميع أطراف النزاع ملزمون بقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي المطبقة على النزاعات المسلحة غير الدولية إضافة إلى ذلك، تُعتبر الأحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية ملزمة، ولاسيما تلك التي صدقت عليها حكومة الجمهورية العربية السورية. يشار بشكل خاص إلى المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف عام1949 وهي واجبة التطبيق على كل الأراضي السورية، وعلى كل الأطراف النزاع.
المعايير القانونيةالواجبة التطبيق
تنظم المادة : /3/ فقرة د : المشتركة لاتفاقيات جنيف بشكل أساسي موضوع إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات
وفق أحكام القانون الدولي الإنساني ، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية : إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً ، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة 5 لذلك يجب أن تستوفي محكمة الإرهاب في سورية معيارين
- أن تكون مشكلة تشكيلا قانونيا
من خلال الفقرة رقم 2 في بند المناقشة و التطبيق القانوني من حيث قانونية تشكيل محكمة الإرهاب و نجد أن المادة / 2/ من قانون تشكيل محكمة الإرهاب من حيث جعل قاضي التحقيق هو نفسه مرجعية للاستئناف بكونه قاضي الإحالة و نص المادة /5/ من عدم تقديها صراحة بقانون اصول المحاكمات الجزائية تشكل انتهاك للدستور السوري و للعهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و سوف نناقش هذه المواد و مشروعيتها في القانون الدولي الإنساني و اتفاقية جنيف الرابعة حيث نصت المادة 3 من اتفاقية جنيف أن تكون المحكمة مشكلة تشكيلا قانونيا و حيث أن هذا النص لم يرد إلا في المادة رقم / 66/ من قانون النزاعات المسلحة الدولية و حيث أن القانون الدولي الإنساني مصدره قانون القانون الدولي لحقوق الإنسان و لا يميز بين النزاعات المسلحة الدولية وغير دولية إلا من ناحية الاسير فقط لذلك فإن ما جرى تعريفه في المادة / 66/ يطبق تفسيرا على نص المادة / 3/ من النزاع المسلح غير الدولي وهو استبعاد المحاكم الخاصة و المحاكم السياسية التي تستخدم كأداة لممارسة الاضطهاد السياسي و حيث أن تشكيل محكمة الإرهاب يحقق كافة عناصر الانتهاك للقانون الدولي الإنساني كونها محكمة خاصة و استثنائية شكلت دون مراعاة لأحكام الدستور السوري و قانون اصول المحاكمات الجزائية السوري واستخدمت كأداة قانونية للاضطهاد السياسي لمعارضي الحكومة السورية و بالتالي يجعل تشكيلها خرق لانتهاك اتفاقية جنيف الرابعة.
- أن تستوفي جميع الضمانات القضائية في نظر الشعوب المتقدمة0
من خلال الفقرة رقم 2 في بند المناقشة و التطبيق القانوني من حيث قانونية الإجراءات القضائية المتبعة في قانون اصول المحاكمات لمحكمة الإرهاب نجد أن المادة /2/ تحرم المتهم من مرحلة استئناف القرار الصادر بالاتهام عن قاضي التحقيق و نص المادة /6/ لا تخضع الاحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة لإعادة المحاكمة في حال إلقاء القبض على المحكوم عليه إلا إذا كان قد سلم نفسه طواعية و هذا يحرم المتهم من حق الطعن و حق حضور المحاكمة و يصدر الحكم بحقه دون تقديم اي دفوع في التهم الموجه إليه و المادة /11/ التي تجيز لقاضي التحقيق الحجز على اموال المتهم قبل صدور حكم قضائي مبرم بحقه مع مراعاة المحاكمة العادلة وحيث أن نص المادة /6/ من الملحق (البروتوكول) الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 6 ( لا يجوز إصدار أي حكم أو تنفيذ أية عقوبة حيال أي شخص تثبت إدانته في جريمة دون محاكمة مسبقة من قبل محكمة تتوفر فيها الضمانات الأساسية للاستقلال والحيدة وبوجه خاص الفقرة هــ : أن يكون لكل متهم الحق في أن يحاكم حضورياً ) كونها محاكم تحقق العدالة الصورية ولا تطبق العدالة الحقيقة للمتهم وحيث أن اتفاقيات جنيف (( تحظر العدالة الصورية )) لذلك فإن الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة تشكل انتهاك للقانون الدولي الإنساني و خرق لبنود اتفاقية جنيف الرابعة وانتهاك لمعايير المحاكمات العادلة الواردة في المادة14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
الخلاصة القانونية
إن الأحكام الصادرة عن محكمة الإرهاب المشكلة بموجب المرسوم رقم 22 لعام 2012 بحق المتهمين و ما ينتج عن هذه الأحكام من حرمان للحرية بإصدار أحكام عليهم بعقوبة السجن و إجراءات إدارية بموجب المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012 بالحجز الاحتياطي على أموالهم المنقولة وغير المنقولة ومصادرة هذه الاملاك و الأموال لاحقا بموجب قرار صادر عن محكمة الإرهاب يعتبر فعل غير مشروع قانونا تم من قبل الدولة السورية في سياق محاكمات غير عادلة و مخالف للدستور السوري و القوانين و الاعراف الدولية مما يجعل سجنهم بموجب هذه الأحكام هو سجن تعسفي ومصادرة أملاكهم وأموالهم يشكل انتهاك لحقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية يرتب مسؤولية الدولة السورية بارتكابها أفعال غير مشروعة دوليا باستخدامها لهذه المحكمة كأداة قانونية لتنفيذ الانتهاكات القانونية بحق المعارضين.