دراسة تحليلية قانونية للإعلان الدستوري

وقَّع الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 مارس/آذار 2025، إعلانا دستوريا يحدد مدة المرحلة الانتقالية في البلاد بـ 5 سنوات.
وأعلن الرئيس السوري في الثاني من مارس/آذار 2025، تشكيل لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، مكونة من 7 قانونيين، وسلمت المسودة في 12 مارس/آذار، ووقع الرئيس السوري على الإعلان الدستوري في اليوم التالي.

تضمن الإعلان الدستوري مقدمة و أربع أبواب و 53 مادة

المقدمة:

سرد فيها فترة الاستبداد التي حكم فيها نظام الأسد البائد سوريا امتدت لـ 6 عقود وجرائمه الوحشية بحق السوريين و ورسخت نضال الشعب السوري وثورته العظيمة التي امتدت قرابة 14 عاما،حتى نال حريته وصدر البيان التاريخي الذي وثق انتصار الثورة السورية، واستعادة الشعب قراره وسيادته على أرضه و العمل على استكمال مسيرة النضال بتحصين هذا الانتصار، وترسيخ أسس العدالة، وضمان عدم تكرار المأساة، وحماية الأجيال القادمة من أي استبداد جديد.
و ووضع الأطر الرئيسية و الأسس التي بني عليها الإعلان الدستوري وتخلصت  بالقيم العريقة والأصيلة التي يتميز بها المجتمع السوري بتنوعه وتراثه الحضاري، والمبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة، و الحرص على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950 -دستور الاستقلال  ونص إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ 29 (ديسمبر) كانون الأول 2025، وجعل المقدمة جزأ لا يتجزأ من الإعلان الدستوري

ملخص مواد الإعلان الدستوري

الباب الأول أحكام عامة:

تضمن 11 مادة تتعلق باستقلال الدولة و سيادتها ونظامها السياسي ولغتها وعاصمتها و علمها  و دين رئيس الدولة ومصدر التشريع و التزامات الدولة بكفالة حرية الاعتقاد واحترام جميع الأديان و الحفاظ على وحدة الأرض السورية وتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي والحفاظ على  السلم الأهلي و التنوع الثقافي و محاربة التطرف العنيف مع احترام الحقوق والحريات و العمل على .مكافحة الفساد والتزام الدولة بدعم عملية إعادة الإعمار و عودة المهجرين و النازحين و شكل مؤسسة الجيش كمؤسسة وطنية محترفة تنشئها الدولة وحظر السلاح بيد الدولة وحق المواطنة وتساوي الفرص وشكل الاقتصاد الوطني ومهمته  تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة

الباب الثاني: الحقوق و الحريات:

تضمن 12 مادة  تتعلق بالتزام الدولة بصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، و دمج المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية و اعتبارها  جزء لا يتجزأ من الإعلان الدستوري. و تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة و تصون حرمة الحياة الخاصة وحرية التنقل وعمل الجمعيات و النقابات و تكافؤ الفرص وحق الملكية الخاصة والملكية العامة و حق التقاضي و  كرامة الإنسان وحرمة الجسد وتمنع الاختفاء القسري والتعذيب ولا تسقط جرائم التعذيب بالتقادم  و تضمن عدم التوقيف إلا بمذكرة قضائية وصون حرمة المنازل و تحفظ المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها و تحمي الدولة الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة ويجوز للدولة  تقييد ممارسة الحقوق وفقا للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي

الباب الثالث: نظام الحكم في المرحلة الانتقالية

تضمن 24 مادة تتعلق هيكلة نظام الحكم خلال مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات وتطرق للسلطة  التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية وذلك من ناحية تشكيل هذه السلطات الثلاث و مهامهم  وحدود صلاحياتهم
ويحدد الإعلان أن. تتولى السلطة التشريعية مجلس الشعب الذي سيشكل بتعيين ثلث أعضائه من قبل رئيس الجمهورية وانتخاب الثلثين الآخرين من قبل هيئات ناخبة ويحدد مدة ولايته و حصانة أعضائه.
وحدد الإعلان صلاحيات  ومهام  رئيس الجمهورية ونص ان الرئيس هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويقوم بتعيين الوزراء وعزلهم و إصدار القوانين التي يقرها مجلس الشعب، وله الاعتراض عليها و الحق في اقتراح القوانين ومن مهامه إصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية للقوانين التي يقرها مجلس الشعب و التوقيع النهائي على المعاهدات وتعيين رؤساء البعثات الدبلوماسية,.  ومنح عفو الخاص ورد الاعتبار. وإعلان التعبئة العامة والحرب وإعلان حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها 3 أشهر
وحدد الإعلان صلاحيات السلطة التنفيذية بتنفيذ القوانين وإدارة شؤون الدولة وتنفيذ السياسات وإعداد مشروعات القوانين وإدارة موارد الدولة وإعادة بناء مؤسسات الدولة العامة والأمنية والعسكرية وتعزيز العلاقات الدولية
و أقر الإعلان بأن تكون السلطة القضائية مستقلة ويضمن ذلك المجلس الأعلى للقضاء و ويُحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية وحدد النظام القضائي مزدوج ويتكون من القضاء العادي والقضاء الإداري و القضاء العادي و القضاء العسكري و تم حل المحكمة الدستورية العليا وطريقة تشكيلها بتعيين أعضائها من قبل رئيس الجمهورية و صلاحيتها و آلية عملها تحدد بموجب قانون

الباب الرابع: الأحكام الختامية:

تضمن 6 مواد تتعلق بتعهد الدولة بتحقيق العدالة الانتقالية بإجراءات تتضمن إلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب وإلغاء الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتعلقة بالوثائق المدنية والعقارية و إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية و استثناء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين و إقرار تجريم تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، و إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريره
يتم تعديل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي مجلس الشعب و استمرار العمل بالقوانين النافذة  حتى يتم إلغائها بموجب قانون و تحدد مدة وتحديد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية و وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات و ينشر الإعلان الدستوري  في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ النشر

التحليل القانوني لمواد الإعلان الدستوري

الإيجابيات في نص الإعلان الدستوري تتلخص بعدة نقاط:

يُعد الإعلان الدستوري وثيقة مؤقتة تحكم المرحلة الانتقالية، لا ترقى من حيث البنية والشرعية إلى مستوى الدستور الدائم، لكنها تحمل صفة “المرجعية فوق القانونية”. ويُتوقع من أي إعلان دستوري أن:

  • يحدد مصادر الشرعية الجديدة بعد انهيار النظام السابق.
  • يضمن الحد الأدنى من الحريات والحقوق الأساسية.
  • يضع قواعد مؤقتة لعمل السلطات العامة خلال المرحلة الانتقالية.

وقد نجح الإعلان الدستوري السوري في تقديم هيكل عام لهذه الوظائف، لكنه افتقر إلى أدوات الضبط والمساءلة التي تمنع انحراف المسار الانتقالي.

نصت المادة /7/ من الإعلان الدستوري على التزامات الدولة بكفالة حرية الاعتقاد واحترام جميع الأديان و الحفاظ على وحدة الأرض السورية و حق المواطنة و تساوي الفرص و تكفل الدولة التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين. مما يرسخ حقوق الأقليات و المكونات السورية جميعا وذلك يتوافق مع نص المادة /2/  من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة  /10/ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.و المادة /21/ : تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.مما يرسخ مبدأ عدم التمييز بسبب الجنس و تكفل حق التمتع النساء بجميع الحقوق المدنية والسياسية مما يتوافق مع المادة /3/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة  /12/ : تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل حقوق المواطن وحرياته. تعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية وهي 8 معاهدات  ( الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة ، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة  – اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري سيداو – اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الاختياريين

اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة – الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأسرهم ) جزءا لا يتجزأ من الإعلان الدستوري و هذا يتوافق مع نص الفقرة 2 من المادة /2/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على إدماج مواد العهد ضمن القوانين الوطنية وحيث إن الدستور يسمو على كل القوانين و جاء النص في الإعلان الدستوري على إطلاقه بما يخص المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان مما يجعلها بكافة بنودها  وأحكامها تطبق ضمن القوانين الوطنية السورية و يجعل السلطة للقاضي بعدم  الحكم بأي نص قانوني يخالف هذه المعاهدات

نص المادة /13/ تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.  وذلك يتوافق مع المواد /19-20/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة /14/ تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقا للقانون وتضمن الدولة عمل الجمعيات والنقابات مما يتوافق مع المادة /22/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة /18/ لا يجوز إيقاف أي شخص أو الاحتفاظ به أو تقييد حريته إلا بقرار قضائي.  مما يجعله يتوافق مع المواد /9-10/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة /20/  الأسرة نواة المجتمع، وتلتزم الدولة بحمايتها و المادة /22/ تعمل الدولة على حماية الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة، وتكفل حقهم في التعليم والرعاية الصحية. مما يتوافق مع المواد /23- 24/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة / 23/ بدلالة المادة /41 / : يعلن حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها 3 أشهر في بيان إلى الشعب بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية ولا تمدد لمرة ثانية إلا بعد موافقة مجلس الشعب ذلك الحق مصان للدولة  في تقييد بعض تدابير في أضيق الحدود شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي ومن تفسير نص المادة و الإجراءات المنصوص عليها و بدايتها بعبارة تصون الدولة الحقوق و الحريات و نص المادتين على الإجراءات بتحديد المدة فقط 3 شهور و اشتراط موافقة مجلس الشعب مما يجعل ذلك يتوافق مع نص المادة /4/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة /17/  والمادة /48/ على إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي تتعارض مع حقوق الإنسان و إلغاء مفاعيل الأحكام الصادرة  عن محكمة الإرهاب بما في ذلك رد الممتلكات و إلغاء الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتعلقة بالوثائق المدنية والعقارية مما يمهد بيئة للمحاكمات العادلة تحقيق العدالة وذلك يتوافق مع نص المواد /2-14/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة / 30/ الفقرة  ت صلاحية مجلس الشعب المصادقة على المعاهدات الدولية مما يخول المجلس المصادقة على المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان وميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية منع الاختفاء القسري و رفع التحفظ حول تفتيش السجون في اتفاقية مناهضة التعذيب و التوقيع على البروتوكولات الإضافية لاتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وذلك يجعل السلطة التنفيذية غير محصنة لنفسها كون هذه الصلاحية من اختصاص مجلس الشعب

نصت  المادة /39/ على  منح الرئيس فقط اقتراح القوانين و حجبت عنه صلاحية إصدار المراسيم التشريعية، ماعدا العفو الخاص أما العفو العام  من حق مجلس الشعب أي بموجب قانون

نصت المادة /43/ بأن لا يكون رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس القضاء الأعلى مما يعطي ضمانات أولية بعدم سيطرة السلطة  التنفيذية على مجلس القضاء الأعلى في انتظار صدور قانون السلطة القضائية الصادرة بموجب المرسوم 98 لعام 1961  بما يتوافق مع  الإعلان الدستوري والذي يجب أن  يعدل المادة 65  امنه حيث كانت تنص على أن يتكون المجلس من 7 أعضاء : يكون للسلطة التنفيذية عمليا السيطرة ب 4 من أصل 7 في المجلس القضاء أما بالنسبة للأعضاء الثلاثة الباقيين فيقوم المجلس بنفسه بتعينهم في مناصبهم بأغلبية الأصوات التي تهيمن عليها السلطة التنفيذية حيث يكون من حيث التصميم القانوني يضمن استقلالية السلطة القضائية  بوجود هذا التعديل في الإعلان الدستوري يضمن تشكيل مجلس القضاء الأعلى بما يضمن استقلالية القضاء مما يتوافق مع المادة /14/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

نصت المادة /49/ على إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية  و استثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين. و هذا يضمن إصدار قوانين تسد الثغرات والنقص في القانون الوطني السوري و التي كانت تقوض قدرة المحاكم السورية على محاسبة مرتكبي الجرائم و الانتهاكات في فترة النزاع بظل غياب نص قانوني ضمن القوانين السورية يجرم جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة ووجود قوانين و تعاميم تضمن إفلات المجرمين من العقاب و يمكن تطبيق النص القانوني و العقوبة على الجرائم التي ارتكبت قبل صدور القوانين مما يضمن عدم الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا  بما بتوافق مع المادة 2 الفقرة 2 – أ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي بموجبها تكفل الدولة  توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية، و الفقرة ج  بأن تكفل  الدولة قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح المتظلمين.

السلبيات في الإعلان الدستوري تتلخص بعدة نقاط:

أولا ً: النص فقط على جرائم التعذيب  التي لا تسقط بالتقادم:

نصت المادة /18/ تصون الدولة كرامة الإنسان وحرمة الجسد وتمنع الاختفاء القسري والتعذيب المادي والمعنوي، ولا تسقط جرائم التعذيب بالتقادم.  جاء تحديد جرائم التعذيب فقط بأن لا تسقط بالتقادم يفهم بأن باقي الجرائم من القتل و الاختفاء القسري و سلب وتدمير  الممتلكات و التهجير القسري وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في فترة النزاع لا يشملها التقادم وهذا يجب أن يتم تعديله و خاصة أن نص المادة 49 الخاصة بالعدالة الانتقالية نصت على استثناء جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية من مبدأ عدم رجعية القوانين بالإضافة لنص المادة 12 من الإعلان الدستوري التي نصت على أن جميع المعاهدات و الاتفاقيات و المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من الإعلان الدستوري ونصت المادة (4)  من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1968 ( تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بالقيام وفقاً للإجراءات الدستورية لكل منها باتخاذ أية تدابير تشريعية أو غير تشريعية تكون ضرورية لكفالة عدم سريان التقادم أو أي قيد آخر على الجرائم المشار إليها في المادتين الأولى والثانية من هذه الاتفاقية سواء من حيث الملاحقة أو من حيث المعاقبة والكفالة إلغاءه إن وجد )  لذلك يمكن القول أن بعد هذه الاتفاقية ( اتفاقية 1968) أصبحت هذه الجرائم متعلقة بالقواعد الآمرة للقانون الدولي وبالتالي لا يسري عليها مبدأ التقادم

وعليه نوصي

يجب أن يتضمن الإعلان الدستوري نص واضح لا يقتصر فقط على جرائم التعذيب بل يجب أن ينص جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية  بشكل واضح و صريح و يشمل كل الانتهاكات الجسيمة التي حصلت أثناء فترة النزاع

 ثانيا: مبدأ فصل السلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية

ثانيا: مبدأ فصل السلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية
نص الإعلان على استقلال القضاء وإلغاء المحاكم الاستثنائية، إلا أن مبدأ فصل السلطات ما يزال غير محصّن بشكل كافٍ، نتيجة الصلاحيات الواسعة التي مُنحت لرئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية، ومنها:

  •  تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، مما يمنحه نفوذًا مباشرا داخل السلطة التشريعية.
  • تعيين كامل أعضاء المحكمة الدستورية، دون مشاركة من البرلمان أو مجلس القضاء الأعلى.
  • إمكانية الاعتراض على القوانين بعد إقرارها من مجلس الشعب.
  • إصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية دون رقابة دستورية فورية.
  • إن عدم وجود آلية واضحة لمساءلة الرئيس أو عزله في حال الإخلال بمسؤولياته، يُضعف مبدأ توازن السلطات، ويعيد إنتاج مركزية السلطة التنفيذية.

وعليه، نوصي بـ:

  1. إقرار آليات دستورية واضحة تتيح مساءلة رئيس الجمهورية.
  2. ضمان فصل فعلي بين السلطات، من خلال الحد من تدخل السلطة التنفيذية في التعيينات والرقابة على التشريع.

ثالثا: عدم استقلالية وحيادية  المحكمة الدستورية العليا:

نصت المادة 47 تحل المحكمة الدستورية العليا و تنشأ محكمة دستورية عليا جديدة و تتكون المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يسميهم رئيس الجمهورية من ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة. وفق للقانون رقم 7 لعام 2014  قانون المحكمة الدستورية، وتشكيلها واختصاصاتها.أن المحكمة الدستورية تعتبر “هيئة قضائية مستقلة  مهام المحكمة مسؤولة عن مراقبة دستورية القوانين والمراسيم التشريعية واللوائح والأنظمة إضافة إلى إبداء الرأي في دستورية مشروعات القوانين والمراسيم التشريعية وقانونية مشروعات المراسيم. يضاف إلى ذلك الإشراف على انتخاب رئيس الجمهورية وتنظيم الإجراءات الخاصة بذلك و والنظر في الطعون الخاصة بصحة انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب والبت فيها – محاكمة رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى إن عبارة يسميهم رئيس الجمهورية تجعل الخلل القانوني المتمثل بعدم حيادية المحكمة واستقلالها حسب القانون القديم هو ذاته في هذا الإعلان  مع الفرق في عدد الأعضاء بدلا من 11 عضو أصبحت في الإعلان الدستوري الحالي 7 أعضاء فقد نص القانون القديم تؤلف المحكمة الدستورية العليا من 11 عضو يكون أحدهم رئيسًا يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم بمدة عضوية تمتد ل 4 أعوام قابلة للتجديد اعتباراً من تاريخ أداء القسم الدستوري”. لذلك حسب التصميم القانوني للمحكمة فإن قضاة المحكمة يخضعون بشكل مطلق لسلطة الرئيس باعتباره مسؤولا عن تعيينهم، والتجديد لهم  وهذا التصميم القانوني يقوض سلطة المحكمة الدستورية العليا من ممارسة غالبية صلاحياتها الممنوحة

وعليه، نوصي بـ:

يجب أن يكون تعيين أعضاء المحكمة الدستورية من مجلس القضاء الأعلى ولا يتدخل بذلك رئيس الجمهورية أسوة بما ورد في الإعلان الدستوري بما يتعلق بتعيين القضاة وعزلهم  بصلاحية مجلس القضاء الأعلى مجلس القضاء الأعلى والذي حجب على رئيس الجمهورية ترأسه مما يكفل فصل السلطات و بالأولى أن يطبق ذلك على المحكمة الدستورية العليا

رابعاً: النص على ديانة رئيس الجمهورية

ينص الإعلان الدستوري على أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، دون تبرير أو نقاش علني لهذه المادة. وفي دولة متعددة الأديان والطوائف، تعتمد على مبدأ المواطنة المتساوية، فإن اشتراط ديانة معينة لتولي أرفع منصب سياسي يتعارض مع نصوص الإعلان ذاتها، لا سيما المواد: المادة 2: التي تنص على أن الدولة تقوم على المواطنة وسيادة القانون. ومادة 10: التي تنص على المساواة بين المواطنين دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق. كما أن هذا النص لا يتماشى مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، خصوصًا المادة 25، التي تكفل الحق المتساوي في الترشح للمناصب العامة.

لذلك نوصي بـ:

إعادة النظر في هذا الشرط ضمن صياغة الدستور الدائم، بما يضمن عدم التمييز، ويُكرّس مبدأ تكافؤ الفرص السياسية لجميع المواطنين.

خامسا: التسمية الرسمية للدولة (“الجمهورية العربية السورية”)

رغم رمزية اسم الدولة، إلا أن الإبقاء على التسمية الحالية دون نقاش مجتمعي قد يُغفل ضرورة التفكير في هوية دستورية شاملة لجميع المكونات.

إن استخدام مصطلح “العربية” في الاسم الرسمي للدولة، دون مراعاة خصوصية سوريا كمجتمع متنوع إثنيًا (كرد، آشوريين، تركمان, سريان، شركس، أرمن…) قد يحمل دلالة إقصائية في نظر بعض المواطنين، ويتناقض مع:

  • المادة 6: التي تؤكد احترام التنوع الثقافي واللغوي.
  • المادة 2 و10: التي تنص على مبدأ المواطنة وعدم التمييز.

سادسا: سابعًا: المجتمع المدني كضامن للانتقال الديمقراطي

لم يُشر الإعلان صراحة إلى دور المجتمع المدني، رغم أنه يمثل في الدول الخارجة من النزاع عنصرًا أساسيًا في الرقابة، وجسرًا بين المجتمع والدولة. توصي المبادئ الدستورية الانتقالية بأن:

  • يُكرّس الإعلان صراحة حق التنظيم المجتمعي.
  • تُنشأ آليات تشاورية دائمة بين السلطات والمجتمع المدني.
  • يُمنح المجتمع المدني صلاحيات رقابية على العدالة الانتقالية، الإعلام، والميزانيات العامة.

ختاما:

جاء الإعلان الدستوري  محاولا رسم ملامح المرحلة الانتقالية  ووضعُ أسس عملية الانتقال السياسي.مؤكدا على الثوابت الرئيسية  من الحقوق و الحريات و العدالة الانتقالية بما بتوافق مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وجاء موجزا ببعض أحكام مواده ، وهذا أمر تمليه طبيعة المرحلة الانتقالية، لأن هدفه ليس الإحاطة بكل تفصيل، بل وضعُ الأسس الرئيسية للمرحلة الانتقالية  ومهمة التفاصيل تركت للقوانين التي سوف تصدر لاحقا من  السلطة التشريعية بما يتوافق مع المبادئ الأساسية  للإعلان الدستوري و يجب الالتزام الكامل بتنفيذ بنود الإعلان مع مراعاة التحفظات القانونية التي أشرنا لها في دراستنا القانونية و العمل على تعديلها بالقوانين التي ستصدر من السلطة التشريعية  وفق ضوابط معيارية أعمق في مجالات توازن السلطات، تحديد آليات المساءلة، وحماية الحقوق بشكل فعلي فلإعلان يشكّل خطوة ضرورية في مسار التحول الديمقراطي، لكنه لا يزال بحاجة إلى أدوات الحماية والتطبيق التي تضمن تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة

Facebook
Twitter
WhatsApp

دراسة قانونية للاستعراض الدوري الشامل (UPR) لـ ملف الحكومة السورية في مجلس حقوق الإنسان تهرب من الالتزامات وقونَنَة