ملف صناعة وتهريب الكبتاغون، بدا رئيسياً في التقارب العربي مع النظام، لا سيما حين دقت الأردن ناقوس الخطر وأرادت التحرك اتجاه النظام على مبدأ “خطوة بخطوة” بشكل ثنائي، بعد أن عرض الملك الأردني عبد الله الثاني خارطة طريق عربية على الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته واشنطن صيف العام 2021، لكن الموافقة جاءت حينها، على ما يبدو، أن تختبر من قبل عمان بشكل أولي.
تفاقمت بعد ذلك عمليات تهريب المخدرات، لتختار الأردن إشراك العرب، لاسيما المتضررين من تهريب الكبتاغون في الخليج، معها في عملية التقارب مع النظام على أمل الضغط على النظام لإيقاف تصنيع وتهريب المخدرات بإيجاد إطار لمراقبة هذا النشاط، في سياق الحل السوري، بمبادرة من عمان تحولت إلى مبادرة إقليمية – عربية بعد اجتماعي جدة وعمان الوزاريين، ومن ثم تحول تلك المبادرة لعربية خالصة بعد أن ضُمنت في القرار 8914 الصادر عن الجامعة العربية، والذي أعاد النظام إلى مقعد سورية في الجامعة العربية، بعد تعليق عضوية دمشق لحوالي 12 عاماً، بعد أن أخذ على النظام لجوئه للعنف المفرط بالتعامل مع الاحتجاجات على حكم بشار الأسد، ورفض الخطة العربية لحل الأزمة السورية.
الاتصالات الأمريكية والأوربية، لا سيما مع الخارجية الأردنية، سواء قبيل اعتماد المبادرة في الجامعة ما بعده، وحتى التصريحات بعد الذهاب نحو اعتماد القرار، كانت واضحة بالتصويب على حل الأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، والتشديد على مسألة مكافحة “كبتاغون الأسد”، الذي غزا الخليج وأوروبا وأفريقيا ودولا في شرق آسيا، وباتت واشنطن تعتبره خطراً على الأمن القومي الأمريكي مع الخشية من الوصول إلى شواطئها، وأصدت نهاية العام الماضي قانوناً لمكافحته سيدخل حيز التنفيذ الفعلي في حزيران/ يونيو من العام الحالي.
وفي حين أكدت التصريحات الغربية التشكيك بقدرة الأسد وإرادته أساساً، على إنهاء ملف الكبتاغون والمخدرات بشكل عام، لسبين رئيسين، الأول يتعلق بحجم هائل من المليارات التي تدرها هذه الصناعة والتجارة إلى خزانه، والثاني ارتباط هذه الكبتاغون، تصنيعا وترويجاً وتهريباًن بشبكة معقدة من حلفائه لا سيما في حزب الله، والميليشيات العراقية وتلك المدعومة من إيران والتي ساعدته ولازالت في الحرب لتثبيت بقائه في الحكم، ستكون الأيام والأشهر المقبلة مرحلة اختبار لجدية الأسد بالالتزام بتنفيذ التوافقات التي خرج بها اجتماع عمان بحضور وزير خارجيته، والتي جرى تضمينها بقرار الجامعة العربية، الذي بدا على أنه أعطى عودة مشروطة للأسد إلى مقعد الجامعة مقابل تنفيذ الملفات الأمنية، والإنسانية والسياسية، في مقدمتها ملف تهريب المخدرات والكبتاغون، الأمر الذي ستراقبه لجنة مشتركة.
تحذير بالنار
إن كانت الأردن، الحليف لواشنطن، لم تنفي أو تؤكد بطبيعة الحال، تنفيذ ضربتين جويتين في الثامن من الشهر الحالي داخل الأراضي السورية باستهداف مصنعين للمخدرات والكبتاغون تحديداً، ما أدى لتاجر مرتبط بميليشيات إيران ومحكومة في الأردن بتهمة ترويج وتهريب المخدرات، فإن الاحتمالات لن تخرج التصويب إلى سلاحها الجوي، سيما أن وزير الخارجية الأردني، كان هدد، قبل يومين بالضربة، بمكافحة تهريب المخدرات بالأدوات العسكرية بدعم من حلفاء الأردن في الخليج والغرب، وذلك تأكيد ضباط من المخابرات الأردنية بقيام عمان بالضربتين، في تصريحات لوكالة “رويترز”.
تقرأ تلك الضربة، على أنها تحذيرية من قبل الأردن، لإثبات جديتها بالتعامل مع هذا الملف فعلاً، وليس من قبيل التهديد فقط، وقد ألمحت بضوء أمريكي بهذا الشأن، فإن التعامل الخليجي والعربي، وحتى الأمريكي بشكل مباشر، لا يزال مفهوماً حول هذا الشأن في المستقبل، وربما المستقبل القريب، في ظل التكهن بعدم انصياع النظام للتعامل مع كل الملفات المطلوبة منه في التفاهمات العربية معه، لاسيما ملف الكبتاغون.
وكان مسؤول من الخارجية السعودية، نفى معلومات حول عرض وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تقديم أربع مليارات للأسد سنوياً على شكل مساعدات، مقابل إيقاف إنهاء ملف المخدرات وتهريبها بما يوصلها إلى السعودية، وذلك يبقى الموقف السعودية متماشياً مع المبادرة العربية القائمة على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، والذي سيتم تقيمه من قبل أطراف عمان بالاشتراك مع الجامعة العربية، بانتظار التزامات المستقبل.
لا قدرة للنظام على الاستجابة.. ولا يريد
الوقائع تشير إلى أن النظام لن يقوم بأي خطوة من البنود التي تم الاتفاق عليها، لا سيما في ملف صناعة وتجارة وتهريب المخدرات سواء لدول الجوار أو العالم، لسببين:
الأول، أن هذه الصناعة رئيسية لإدخال العملة الصعبة إلى خزائن النظام، لا سيما بما يساعده على إكمال الحرب.
الثاني، تورط عدة أطراف سورية وغير سوريا فيها، لا سيما الميليشيات من حزب الله وتلك العراقية المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني، ما يجعل ضبط الأمر من جديد غاية في الصعوبة سيما أن تلك المجموعات تتربح من تلك الصناعة ولا يعنيها القتال مع الأسد إلا من خلال السماح لها بمثل هذه الأفعال.
هل من خيارات عسكرية لمواجهة كبتاغون الأسد؟
احتمالية توجيه ضربات أمريكية، في حال دخول قانون الكبتاغون حيز التنفيذ الفعلي بداية الصيف الحالي، لمصانع وطرق تهريب الكبتاغون مشروعة، غير أن من المستبعد أن تلجأ واشنطن بشكل مباشر لهذا الخيار، لكنه الواضح أن الأردن لن تردد بالقيام في هذه المهمة.
إذ من المتوقع أن يقوم الأردن بمفرده بمكافحة تهريب الكبتاغون من سورية الى الاردن بالوسائل العسكرية والأمنية، وربما تلجأ لبعض التعاون مع دول الخليج والغرب في الولايات المتحدة للدعم اللوجستي والاستخباراتي.
فبالنسبة للتعاون الاقليمي الذي يضم السعودية ودول الخليج الاخرى ومصر سيكون مُنصباً على الأبعاد القانونية والتشريعية والاستخباراتية في إطار مكافحة تهريب وتمرير المخدرات والسلاح وكافة المحظورات، أما الاتفاق المبدئي مع سورية الذي اعلنت عنه مصر مؤخراً فهو ينطوي على المجالات السياسية والدبلوماسية وهو طرح مشكوك فيه وقد لا ينتج عنه اي نتائج إيجابية ملموسة لدى الجانب النظام.
ويميل الاعتقاد أن النظام السوري لن يتجاوب مع ملف مكافحة المخدرات لكون بوصلة القرار السوري ليست حرة، فهي محكومة بقرار (فيلق القدس الإيراني)، ولأنه النظام بحاجة هو وإيران وإيران لمصادر تمويل غير مشروعة وفي طليعتها صناعة وتجارة المخدرات.
فرضية مختلفة
طرحت فرضيات جديدة حول التعاطي العربي والدولي مع ملف “كبتاغون الأسد” بالكامل، ويرجعها أصحابها إلى بعض الشكوك والأسئلة التي تحتاج لإجابات عليها.
تشير تلك الفرضيات بأن هناك حلقة مفقودة في هذا الملف، سيما حين الإعلان عن كميات ضخمة من المخدرات التي يتم مصادرتها على الحدود، وتطرح الفرضية سؤالاً مشروعاً، هل ستتحمل أي جهة مصنعة، مهما بلغ وزنها المالي تحمل هذه الخسائر المتتابعة؟ وثم تسأل حول الأموال التي يتم جنيها، وهي بمليارات الدولارات بحسب التقارير الغربية، وهذا المليارات تحتاج لبنوك ونظام بنكي يتحملها ويستوعبها وهو غير موجود، وفرضية تحويلها للخارج مستحيلة مع القيود الصعبة في أوربا وأمريكا وحتى في الدول العربية على عمليات تحويل الأموال واستقبالها بأحجام أقل بكثير من المعلن عنه فيما يخص أرباح النظام من الكبتاغون، ولا يوجد نظام مالي يستوعب الأرقام التي يعلن عنها لا في سورية ولا في الجوار كلبنان والعراق إن ما فرضنا محاولة استيعابها هناك.
هذه الفرضية لا تستبعد وجود تصنيع وتهريب مخدرات وتحديداً عقار الكبتاغون بالمطلق، لكنها ترى، أن هذا الملف يتم تهويله وتضخيمه بشكل كبير، بفعل فاعل أو فاعلين كثر، أو أن تضخيم هذا الملف والمبالغة كان أمراً في منتهى اللاواقعية أريد منه وضع (حدود الممكن) للمطالبات العربية من النظام.
ويحوم أصحاب تلك الفرضية حول فكرة الاستفادة مستقبلاً من هذا التضخيم، حين يعلن النظام على القضاء على صناعة وتجارة الكبتاغون وبالتالي تحقيق المطلوب منه عربياً ودولياً، ما يعني إعادة تعويمه من جديد.
حقائق وأرقام عن كبتاغون الأسد
صيف العام الماضي، كشف تحقيق صحافي مصور مقرون بالأدلة، قام به “التلفزيون العربي”، مقره الدوحة، عن عديد المصانع لانتاج المخدرات بما فيها الكبتاغون، لا سيما في الساحل والجنوب السوري، ورفع التحقيق حينها النقاب عن شبكة واسعة من المشرفين على التصنيع والتهريب أساسها الفرقة الرابعة التي بقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد، بالإضافة لأقارب للأسد لديهم مناصب عسكرية أو ميليشياوية مختلفة، كما أشار التحقيق إلى تورط حزب الله وميليشيات أخرى بتلك التجارة.
في حين أكدت دراسة لـ “مركز جسور للدراسات”، مقره إسطنبول، صدرت بداية العام الماضي، وجود حوالي 50 موقعاً لتصنيع المخدرات في سوريا، وأشارت الدراسة إلى أن تلك المواقع تتوزع في انتاجها على 14 موقع لتصنيع عقار الكبتاغون، و13 موقع لإنتاج مادة “الكريستال ميث” والمعرفة محليا بـ شبو” أو “إتش بوز”، و 23 موقعاً لزراعة وإنتاج وتصنيع مادة الحشيش.
تقرير لـ”معهد نيولاينز” للأبحاث، مقره واشنطن، قدر قيمة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال العام 2021 بحوالي 5.7 مليار دولار، وأشار التقرير إلى تورط بشار الأسد وأفراد من عائلته ونظامه بهذه التجارة إلى جانب شريكه الرئيسي حزب الله اللبناني. وهذ الرقم يشمل فقط قيمة تجارة التجزئة بالاستناد إلى قيمة المضبوطات التي حددها التقرير بـ 420 مليون حبة من عقار الكبتاغون فقط.
وأكدت مجلة دير شبيغل هذا الرقم، أي 5.7 مليار دولار، لكن المجلة أشارت إلى أن هذا الرقم فقط لعوائد تجارة المخدرات من قبل النظام السوري، ما يعني أن تجارة العقار الشرق الأوسط التي تحدث عنها المعهد الأمريكي، ممسوكة بشكل كامل من قبل النظام السوري، لتطابق الرقمين.
وفي نيسان/ إبريل من العام الجاري، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام السوري بشار الأسد، لدورهم في إنتاج الكبتاغون أو تصديره، فيما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام، في اليوم ذاته.
شملت العقوبات كلاً من سامر كمال الأسد، وهو ابن عم رئيس النظام السوري، ويشرف على منشآت إنتاج الكبتاغون الرئيسية في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، ووسيم بديع الأسد، وهو ابن عم آخر للأسد، يقود ميليشيا مسلحة ومعروف بترويج وتصدير وصناعة المخدرات، وعماد أبو زريق، وهو قائد سابق في “الجيش السوري الحر”، ويقود الآن مليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية، وله دور مهم في تمكين إنتاج المخدرات وتهريبها من جنوب سورية إلى الأردن، وخالد قدور، وهو رجل أعمال سوري ومقرب من ماهر الأسد، وشركتين لدورهما في إنتاج وتصدير الكبتاغون.
كما شملت العقوبات نوح زعيتر، وهو زعيم عصابة لبناني مقرب من حزب الله والفرقة الرابعة في جيش النظام، ومعرف بتجارته وتهريبه للأسلحة والمخدرات، وحسن محمد دقو، وهو مواطن لبناني – سوري مزدوج الجنسية، أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب “ملك الكبتاغون”.
وكان الرئيس جو بايدن قد وقع في ديسمبر من العام الماضي، ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري، ويتضمن مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً” للحدود، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة، من المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ الفعلي في حزيران/ يونيو المقبل بإجراءات قد يكون من بينها ضرب مصانع وطرق تهريب المخدرات بالوسائل العسكرية.