بخطى خجولة على غرار ألمانيا تسير فرنسا اليوم بقرار في غاية الأهمية لقضاة التحقيق الفرنسيين اليوم 4 نيسان 2023 صدر في ملاحقة مجرمي الحرب السوريين، بتوجيه لائحة الاتهام لثلاث شخصيات من دائرة الأسد الأولى بناء على شكوى قدمت العام 2016 من المواطن السوري الفرنسي عبيدة الدباغ الى وحدة الجرائم الفرنسية بمقتل أخيه مازن الدباغ وابن أخيه باتريك الدباغ اللذان يحملان الجنسيتين الفرنسية والسورية تحت التعذيب على يد مخابرات النظام بعد اعتقالهما في عام 2013 و إحالتهما مركز احتجاز في مطار المزة العسكري الذي تديره المخابرات الجوية.
بناء على هذه الشكوى تم البدء بإجراء التحقيقات و إحالتها إلى المدعي العام الفرنسي الذي اصدر في العام 2018 مذكرات توقيف دولية بحق المتهمين وهم كل من اللواء علي مملوك واللواء جميل الحسن واللواء عبد السلام محمود و أحال الدعوى لقاضيا تحقيق فرنسيان والذي بدورهما أجريا التحقيقات و أصدرا قرار إتهام بإحالة المتهمين ل محكمة الجنايات الفرنسية و التأكيد على مذكرات التوقيف الصادرة عن المدعي العام و يجب محاكمتهم بتهمة التواطؤ لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجناية جريمة حرب.
يمهد القرار الطريق لبدء أول محاكمة في فرنسا ضد الحرس المقرب للرئيس الأسد، أمام وحدة ” الجرائم ضد الإنسانية” في دائرة باريس الجنائية، وهو ما يشكل خطوة إيجابية للقضاء الفرنسي في ملف الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا بالرغم من انعدام الفرصة ربما في اعتقال أي من المتهمين الثلاثة، إلا إن إجراءات المحاكمة ستتم غيابياً بحقهم وفق ما يتيحه القانون الفرنسي.
وبحسب القانون فإن التوصيف الجرمي المنطبق بموجب لائحة الاتهام ينقسم إلى شق جرائم ضد الإنسانية وشق جرائم الحرب:
جرائم ضد الإنسانية
بسبب الاتهام بحالات اختفاء قسري وأعمال تعذيب وقتل المعتقلين في سجن المزة العسكري في دمشق التابع لإدارة المخابرات الجوية وذلك بناء على سلوك ونمط يتبعه القائمين على هذا السجن في التعامل مع المعتقلين فيه يؤكده شهادة عدة شهود بينهم منشقون من الجيش السوري او معتقلون سابقون تم الاستماع لشهادتهم من قبل قاضي التحقيق.
جريمة الحرب
تتخلص ب مصادرة منزل مازن الدباغ في عام 2016 تم نقل ملكية المنزل الى “الجمهورية العربية السورية” التي قامت بتأجيره “إلى مدير المخابرات الجوية لقاء مبلغ يصل الى 30 يورو سنويا” الاستيلاء على الممتلكات، الذي لا تبرّره ضرورات عسكرية.
وتسير فرنسا بهذا القرار بخجل على خطى الجارة ألمانيا التي لا تقيد من ” آلية الولاية القضائية العالمية” على عكس فرنسا، وشهدنا عدة محاكمات في ألمانيا تتعلق بجرائم ضد الإنسانية تم ارتكابها في سوريا، حتى لو كان المتهمين لا يقيمون على الأراضي الألمانية. وكان أشهر تلك القضايا قضية محكمة كوبلنز والتي صدر فيها الحكم التاريخي على العقيد السابق في أجهزة المخابرات السورية أنور رسلان بالمؤبد لارتكابه 27 جريمة بين قتل وتعذيب وعنف جنسي بداية العام الفائت 2022 وقبله بعام على العنصر السابق في المخابرات إياد الغريب بالسجن أربع سنوات ونصف بتهمة التواطؤ في الجرائم ضد الإنسانية.
فرنسا بقرارها اليوم هي لا توسع من صلاحياتها وفق مبدأ “آلية الولاية القضائية العالمية” بل لازالت مستمرة بتطبيقها لتفسير مقيد لهذه الآلية، وأحد تقيداتها هي وجوب أن يكون المتهمين متواجدين على الأراضي الفرنسية ، يعزو البعض عدم رغبة فرنسا في توسيع نطاق آلية الولاية القضائية العالمية إلى افتقار الإرادة السياسية لمحاكمة مجرمي الحرب السوريين، وقرار قضاة التحقيق اليوم في قضية ” الدباغ” لا يتعلق بمبدأ الولاية القضائية العالمية، بل بسبب حمل الضحايا للجنسية الفرنسية تحديداً، وقد يؤدي هذا التحقيق لاستهداف مستويات أعلى ربما من المسؤولين السوريين.
المتهمين الثلاثة هم من دائرة الرعب الأولى للأسد وأكثرهم تأثيراً في السلطة في دمشق، فاللواء علي مملوك يشغل منصب رئيس مكتب الأمن الوطني السوري ويعتبر الرجل الثاني في نظام الأسد، وجميل الحسن كان يشغل منصب مدير المخابرات الجوية الجهاز الأمني الأكثر رعباً والأكثر ارتكابا لجرائم تندى لها جبين الإنسانية، ويذكر أن الحسن ملاحق أيضا بموجب مذكرة توقيف ألمانية، والمتهم الثالث اللواء عبد السلام محمود والذي يشغل منصب رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية بدمشق.
يتيح القانون الفرنسي إجراء محاكمات غيابية ضد متهمين، ويمنحهم الفرصة في تعيين محامي دفاع حتى ولو لم يحضروا الجلسات، و التأكيد سيكون هناك جلسات خاصة لسماع الشهود، وفي حال أصدرت محكمة باريس الجنائية حكمها النهائي، فسيتم تصدير مذكرات اعتقال بحق المحكومين دولياً و تعميمها عبر الإنتربول.