محاولة  روسية لتميع الملف السوري على غرار مسارات استانة


اختتمت في مدينة دمشق يوم الخميس الموافق 20/10/2022 فعاليات الجولة الخامسة من المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجرين باجتماع مشترك لـ الهيئتين التنسيق السورية والروسية رغم انعقاده سنوياً منذ أربعة أعوام سابقة وعدم تحقيقه لأي نتائج  بسبب عدم وجود اعتراف دولي أو مشاركة دولية أو أممية إلا أن النظام السوري و روسيا يصران على إعادته دوريا و المفارقة في كل عام يذكرون عودة مئات آلاف المهجرين  حتى وصل العدد إلى مليونين ونصف مليون مهجر منذ عام 2018 ليصبح عدد العائدين داخلياً منذ بداية الحرب أكثر من 5 ملايين والعائدين من الخارج أكثر من مليون. حسب تصريح حسين مخلوف رئيس الهيئة التنسيقية الوزارية السورية ووزير الإدارة المحلية والبيئة لوكالة سانا وهذا ما تكذبه تقارير مفوضية اللاجئين و تقارير الدول المستضيفة للاجئين و أن هذه المؤتمرات ليست سوى دعاية مستهلكة رخيصة من قبل النظام السوري وروسيا


الهدف من هذه المؤتمرات  لالتفاف على العملية السياسية وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015   حيث دأبت روسيا على الالتفاف على المسارات الأممية و حرف الأنظار عن العملية السياسية.وتهدف  لإيجاد مسار جديد على غرار مسار استانة التي أتاحت لموسكو فرصة الإمساك بخيوط الأزمة السورية


لكن تثبت موسكو أنها عاجزة عن ابتكار حلول سياسية واقعية معقولة ترضي أطراف الأزمة السورية كون ملف اللاجئين السوريين يتعلق بشكل مباشر بتمويل عملية إعادة الإعمار وهو مرتبط بإنجاز التغيير السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة  و سواء في المؤتمر الذي تم عقدة ففي مؤتمر عام 2020 لم تدعى تركيا للمؤتمر رغم أنها تستضيف حوالي أربعة ملايين ونصف  لاجئ سوري وهم أكثر من نصف اللاجئين السوريين  مما يؤكد قناعة روسيا أن بوجود هذا النظام لا يمكن عودة اللاجئين ولا ينفك كونه محطة روسية جديدة لتمييع الملف السوري في أروقة المسارات المتعددة للحل.


روسيا هي المشكلة ولا يمكن أن تكون جزء من معادلة الحل


منذ تدخلها في عام 2015 كان دورها في الملف السوري باستمرار للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفشل تأهيل النظام  فقد لعبت روسا دورا أساسيا و هاما و جوهريا يتخلص بتعطيل مسارات الحلول ووضع العصي في مسارات الحل السياسي فأوصدت كل الأبواب من أجل الحفاظ على حليفها النظام السوري متمثلا برأس النظام بشار الأسد فأفرغت مسار جنيف من مضمونه و ابتدعت مسارات في ظل التخاذل الدولي وفرضت واقعا ان الحلول يجب أن تكون على الطريقة الروسية متمثلا باستانا و سوتشي و غيرها من الاجتماعات التي جعلت الحل يفرض بوقائع وفرضيات و نتائج  يضعها الروس  مسبقا يقف المجتمع الدولي متفرجا يراقب الغطرسة والوقاحة الروسية لحماية نظام لم يتوانى عن ارتكاب أبشع انواع الانتهاكات و الجرائم ضد الشعب لسوري فكانت أحدى الحكايات المليئة بالدمار و القتل و التهجير التي ستبقى في ذاكرة السوريين في قصة ثورتهم لطلب الحرية و العدالة وللإطلاع  هذا الدور يرجى قراءة  مقالة   لرابطة المحامين السوريين الاحرار بعنوان ( منذ تدخلها في 2015.. ماذا قدمت روسيا لسورية؟ )  يتضح أن الدور الروسي متمثلا بزج نفسه كطرف اساسي في الصراع في سورية و ارتكابه للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بحق الشعب السوري وتقديم الدعم للنظام السوري و حمايته عسكريا و قانونيا من الملاحقة القضائية و تأييده في جرائمه ضد الشعب السوري لن يكون طرفا ضامنا للسوريين المهجرين و النازحين في العودة لبلادهم


أما عن أفعال النظام السوري فحدث ولا حرج
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان يتعرض لها اللاجئين العائدين


– لا ينفك النظام السوري في كل مناسبة في دعوة السوريين إلى العودة إلى حضن الوطن  بالوعيد و التهديد والترغيب تارة أخرى ويعلم النظام السوري علم اليقين أن الطريق الأسهل لإعادة الشرعية الدولية له تقتضي البدء بإعادة الاعمار و لم شتات السوريين الذين هجرتهم مدافعه و طائراته بهدف إعادتهم لمزرعته  لتقدم فروض الطاعة و العبودية بعدما أنهكتهم ظروف التشريد واللجوء فيمكن عليه حكمهم من جديد وتقديم نفسه للمجتمع الدولي أنه استطاع حل  أكثر معضلة تؤرق المجتمع الدولي و هي اللاجئين وذلك لاستعادة الشرعية الدولية وإغداقه بأموال إعادة الاعمار
– لكن لا يمكن لهذا الحلم أن يتحقق في ظل وجود منظومة أمنية لا تستطيع حتى بلعب دور تمثيلي أمام المجتمع الدولي كون المشكلة تتجسد أصلًا في طبيعة تركيبة هذا النظام وطريقة إدارته لشؤون البلد وجميع مؤسساته و التي تتحكم أجهزته الأمنية بكل مفاصل الدولة و هي فوق المحاسبة و المسألة القانونية وفق مراسيم و قوانين تأصلت لمنع محاسبة الأجهزة الأمنية  لذلك هذه السلطة المطلقة جاءت مفسدة لجميع هذه الاجهزة وجعلت سلوكها الوحيد هو العنف و الوحشية ولغة القوة الوسيلةً الوحيدةً لمخاطبة السوريين والتعامل معهم وجعلت من التعذيب أسلوبًا أساسيًا في العمل على تحطيم إرادة السوريين والسعي لجعلهم عبيداً لهذا النظام و منظومته الأمنية فقد وثقت Human Rights Watch بتقريرها حياة أشبه الموت تعرض اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان والأردن بشكل طوعي بين 2017 و2021 انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهادا من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها مثل التعذيب والقتل خارج نطاق القانون  والاختفاء القسري. أغلب من قابلتهم “هيومن رايتس ووتش” ناضلوا أيضا من أجل البقاء على قيد الحياة والحصول على احتياجاتهم الأساسية في بلد أنهكه النزاع والدمار الواسع.


و قد وثقت منظمة العفو الدولية في تقريرها  “أنت ذاهب إلى الموت” أنه  أخضع ضباط المخابرات السورية النساء والأطفال والرجال العائدين إلى سوريا للاعتقال غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، والإخفاء القسري
– بالإضافة لتقارير عديد من عدد من الناشطين و المنظمات المحلية تؤكد تعرض من عاد إلى سوريا إلى التحقيق و الاعتقال وهذا ما يبرره ونتيجة طبيعية لنظام المصالحة الوطنية الذي اخترعه النظام السوري والذي تحتم على الشخص الراغب بالعودة توقيع وثيقة المصالحة و من ضمنها يتم سجل الشخص و مدى مناوئته و نشاطه ضد النظام السوري و تحال هذه الوثيقة للجهات الأمنية وفي حال حتى السماح للاجئ بالعودة مع توقيع الوثيقة يلتزم بمراجعة  هذه الجهات مما يعرضه للاعتقال و كافة الانتهاكات لحقوق الإنسان
– حتى في حال تجاوز اللاجئ كل هذه التدابير المرعبة و رغب العودة إلى منزله فيجب عليه أن يعيش كابوس الموافقة الأمنية مرة أخرى فلا يمكن لأي لاجئ أو نازح أو حتى مقيم في مناطق النظام غير منطقة منزله أن يتمكن العودة إلى منزله الذي كان ضمن المناطق التي شهدت عمليات عسكرية و تعرضت للدمار إلا بعد الحصول على موافقة امنية و هنا يتعرض اللاجئ للابتزاز المالي من السماسرة و الوسطاء لاستخراج هذه الموافقة التي قد لا تحميه  بالضرورة لأنه وإن أخذ تصريح من جهة أمنية فقد يتعرض للاعتقال لكونه مطلوب لجهة أمنية اخرى


مصادرة أملاك اللاجئين والنازحين بطلب الموافقات الأمنية وإصدار قوانين و مراسيم تفتقد للشرعية القانونية


حتى في حال رغبة اللاجئ في ترميم منزله الذي دمرته طائرات و مدافع النظام السوري يجب عليه أن يحصل على موافقة امنية و تحدد مدة الترميم بفترة زمنية معينة في حال تجاوزها يحرم من العودة إلى منزله حتى لو بدأ بترميمه و لم تنتهي علميات الترميم فقد أصدر المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق القرار رقم 991 تاريخ 3/10/2022 و الذي يمنح الأذن لأهالي منطقة القابون في دمشق بالعودة إلى منازلهم لترميمها خلال مدة ستة اشهر مشترط الموافقة الأمنية و الأخطر في القرار هو إلزامهم بالتوقيع على تعهد لدى لكاتب العدل يحرمهم من المطالبة بالتعويض في حال دخلت المنطقة في التنظيم العمراني وفق المرسوم رقم 66 لعام 2012   و الذي أو تشريع  استحدث نمطًا جديدًا لتنظيم المناطق في محافظة دمشق  ومهد لإقرار القانون رقم 10 لعام 2018   الذي يعد مكملا للمرسوم و لكن يشمل كافة الأراضي السورية و وشكّل خطرًا على حقوق الملكية والسكن بالإضافة لطلب الموافقة الأمنية وما يحمله من تبعات قانونية من تصرف اللاجئين بأموالهم يعد انتهاكات صارخا لحقوق الإنسان إذ لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا كما أن “حق الملكية مكفول ولا يجوز المساس به إلا لضرورة أو مصلحة عامة طبقًا لأحكام القوانين الصادرة بهذا الصدد  وفقًا لكل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و كما حددت المادة الأولى من البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حالة حرمان شخص من ملكيته بضرورة المصلحة العامة  ووفقًا لشروط قانونية ولمبادئ القانون الدولي اعتبرت المادة الثامنة فقرة 2 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والذي دخل حيز التنفيذ عام 2001 أن تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورات عسكرية جريمة حرب ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في اطار عملية ارتكاب واسعة النطاق وينطبق هذا الأمر سواء تعلق الأمر بنزاع مسلح دولي أو نزاع مسلح غير ذو طابع دولي وقد أصدر “النظام السوري” عدة قوانين مراسيم وتعاميم تمس حقوق الملكية في سوريا بشكل مباشر أو غير مباشر منذ بدء لنزاع في سورية و أهمها :

كل هذه القوانين و المراسيم و التعاميم و ارتباطها بشكل كامل بالموافقات الأمنية تهدف للاستيلاء على أملاك السوريين والأشد خطورة جعل الأفعال ضمن التشريعات و القوانين مما يقوض الاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي و بالتالي الحل السياسي و العودة الطوعية للاجئين  

الانهيار الاقتصادي وغياب الخدمات الأساسية وتدهور مستوى المعيشة وغياب الدور الحكومي والانفلات الأمني في مناطق سيطرة النظام السوري 

قدمت الرابطة مذكرة قانونية “انفجار ظاهرة الهجرة بين السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري” تشرح أسباب  فكانت الأسباب تتنوع بين الوضع الاقتصادي السيئ جدا وغياب الدور الحكومي بدا واضحًا في المرحلة الأخيرة، مقابل تنامي دور أمراء الحرب والقوى الأمنية وزعماء الميليشيات حيث صاروا يتحكمون في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والفساد الذي يجري بعلم النظام وبإرادته وربما بتوجيهات منه  وتراجع مستوى الخدمات  الاساسية التي يفترض أن  يقدمها النظام السوري للمواطنين السوريين ( الكهرباء – الماء – الغاز – المواصلات ) و التي تعتبر هذه الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها أي إنسان بالإضافة إلى الانفلات الأمني و انتشار الخطف و القتل وهو نتيجة طبيعية لوجود الميلشيات المسلحة التابعة لعدة أطراف داعمة للنظام  لسوري والتي شاركت سابقا في العمليات العسكرية و مازلت تتحكم بالمناطق التي استعاد السيطرة عليها النظام السوري من المعارضة و تحكم الجهات الأمنية بكل مفاصل حياة السوريين و غياب دور القضاء و السيطرة عليه من قبل هذه الجهات مما جعل مدينة دمشق من أسوء المدن للعيش بالشرق الأوسط وأفريقيا فقد صدر تقرير مجلة The Economist بتاريخ 22/9/2022 بعنوان دمشق أسوأ مدينة للعيش بالشرق الأوسط وأفريقيا وقالت المجلة إنه كما في استطلاع العام الماضي فإنه لدى العاصمة السورية دمشق أسوأ الظروف المعيشية في العالم من بين 172 مدينة شملتها الدراسة.وأضافت “تحت دكتاتورية بشار الأسد الوحشية، يعيش حوالي 90٪ من الناس في سوريا تحت خط الفقر”. كما أظهرت خارطة جديدة من موقع travel risk map دول العالم المصنفة بحسب مؤشر “المخاطر الأمنية” لعام 2022. أن سوريا من بين الأكثر خطورة في العالم مما جعل للسوريين المتواجدين في مناطق سيطرته يفعلون المستحيل ويخاطرون بأرواحهم عن طريق الهجرة غير الشرعية.

العودة إلى الموت..

 بناء على ما تم ذكره  يؤكد قطعا بعدم توافر الظروف المواتية لعودة اللاجئين ولم تتحقق  البيئة الآمنة حسب الاتفاقيات الدولية لشروط عودة اللاجئين  فكيف  للنظام السوري أن يدعي و يطلب و يشجع على عودة المهجرين و النازحين من خلال المؤتمرات و التصريحات التي تصدم بواقع الحال أنه في ظل بقاء النظام السوري ومنظومته الأمنية التي هيئت كل الظروف لجعل سوريا من أفقر وأخطر البلاد في العالم 
– لذلك وحيث أنه تم الاتفاق دوليا بعدم اللجوء للحسم العسكري ولا يوجد حل سياسي يلوح بالأفق و خاصة مع التعقيدات و التجاذبات السياسية التي تشهدها المنطقة لذلك يجب العمل جديا من الدول الفاعلة في الملف السوري على تنفيذ القرار /2254/ لعام 2015 الصادر عن مجلس الأمن بتحقيق الانتقال السياسي الفعلي الذي سعى له السوريين منذ انتفاضتهم ضد هذا النظام ومنظومته التي حكمت سوريا لأكثر من 50 عاما بالحديد و النار وقدموا كل انواع التضحيات لتحقيق هذا الهدف فلا حل في سوريا دون تحقيق هذا البند بالتوافق على دستور يمثل السوريين جميعا تكون مبادئ حقوق الإنسان جزءًا أصيلًا منه تحترم وتصان فيه حرية و كرامة المواطن السوري و تلغى كافة النصوص التي تعطي تحكم السلطة التنفيذية بالقرار في الدولة و تصادر صلاحيات السلطة التشريعية و القضائية  و تحقيق العدالة الانتقالية التي من دورها إصلاح المؤسّسات الأمنية و العسكرية بحيث يكون ولائها للشعب السوري وحده و إجراء الملاحقات القضائيّة وتشكيل لجان الحقيقة تحقيق المحاسبة العادلة والتّعويض عن الضّحايا باسم الدولة السورية المنتخبة شرعيا التي تمثل الإرادة الحقيقة للسوريين و التي تشكل العقد الاجتماعي الذي سوف يتوافق عليه السوريين لبناء سورية المستقبل لكل السوريين و تحقيق السلام الدائم