يشكل السوريون أكبر عدد من اللاجئين في العالم وينتشرون في قرابة 127 دولة، استضافت تركيا العدد الأكبر منهم بينما يستضيف لبنان والأردن أعلى نسبة من اللاجئين مقارنة لعدد السكان. استقبل لبنان بداية اللاجئين بحدود مفتوحة لتسهيل عبور أعداد كبيرة منهم، ولكن مع تزايد الأعداد بدأت الحكومة اللبنانية والبلديات في المدن والقرى بتبني عدد من الإجراءات المسيئة والقسرية شملت الطرد من عدة أماكن وحظر التجوال الخاص بالسوريين والاعتقال غير المبرر ومنع العمل في بلديات معينة وتم تشديد القيود على تصاريح الإقامة أو العمل والتعليم.
منذ تشكلت الحكومة اللبنانية برئاسة ميقاتي كان هاجسها الأكبر هو ملف اللاجئين السوريين بحيث أصبح و أمسى الملف الرئيس الذي تعمل عليه الحكومة اللبنانية في ظل عجزها عن إيجاد حلول للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية التي تعصف في البلاد، لذلك بدأت بالترويج لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر برنامج للعودة الطوعية وفق خطة وضعها الوزير عصام شرف الدين تتلخص بإعادة 15 آلف لاجئ سوري شهرياً إلى سوريا، الخطة التي رفضتها مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان يبدو أن الحكومة اللبنانية ستقوم بتنفيذها دون الاكتراث بقرارات الأمم المتحدة، وعبر التنسيق أمنياً مع نظام الأسد على إعادة اللاجئين.
حيث يهدد لبنان الأمم المتحدة بتنفيذ خطته أو تقييد عمل هيئات الأمم المتحدة ، جاء ذلك على لسان وزير الخارجية اللبناني “عبدالله بوحبيب” حيث قال في تصريح لجريدة النهار اللبنانية” أن بلاده تقوم بتحضير ورقة من 10 الى 15 بندا سترسل الى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان والجهات المسؤولة عنها، وسيطلب منهم تطبيق هذه البنود، وأكد أنه في حال امتنعت المفوضية سيتم اتخاذ إجراءات في حقهم و”تقييد عملهم”. الضغوط التي تمارسها الحكومة اللبنانية ومطالبتها الأمم المتحدة بكافة المعلومات عن اللاجئين السوريين ومقدار ما يتلقوه من أموال على الأراضي اللبنانية، لا يفهم منها فعلياً إلا أن الحكومة اللبنانية تبتز المجتمع الدولي لزيادة المساعدات المالية المقدمة الى لبنان، في محاولة من الحكومة لتجاوز فشلها على كافة الأصعدة.
وتسارعت وتيرة مسار إعادة اللاجئين السورين في لبنان خلال الأشهر الثلاثة الماضية والذي يعتمد على خطة وزير المهجرين “عصام شرف الدين” بإعادة 15 ألف لاجئ سوري شهرياً وفق مبدأ العودة الطوعية “وفق الرؤية اللبنانية لا الدولية” وبالاعتماد على التنسيق مع نظام الأسد الذي سيختار المناطق التي سيتم إعادة اللاجئين إليها.
وتم نقل الملف من يد وزير المهجرين الى يد وزير الشؤون الاجتماعية “هيكتور حجار” بعد رفض مفوضية اللاجئين لخطة الحجار، والذي أكد عبر تصريحاته أن لبنان ملتزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية، ولكن وضع لبنان السياسي والاقتصادي لا يحتمل وجود اللاجئين السوريين بسبب عدم تلقي لبنان لمساعدات إنسانية كافية.
ومؤخراً تجلت الإجراءات اللبنانية بنقل الملف من يد الوزير الحجار وقيام رئيس الحكومة اللبنانية ميقاتي بتكليف للواء عباس إبراهيم مدير الأمن العام (المعروف بعلاقاته القوية مع النظام السوري) بمتابعة موضوع إعادة اللاجئين السوريين وتأمين العودة الطوعية والآمنة لهم عبر التواصل مع الجهات المختصة في سوريا، مما وضع الملف في خانة الملفات السياسية لا الإنسانية.
تكليف إبراهيم جاء بموجب القرار رقم 137 للعام 2022 الصادر بتاريخ 9 أيلول العام 2022. وبناء عليه يقوم إبراهيم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في سوريا وفق ما أكده وزير الخارجية اللبناني والذي أضاف إن هناك مباركة حكومة من الجهتين اللبنانية والسورية لخطة إعادة اللاجئين.
العودة الطوعية حقيقة.. ما هي إلا إعادة قسرية
مستغلاً الصمت الدولي عن مأساة اللاجئين السوريين وانشغال المجتمع الدولي بالحرب الروسية الأوكرانية فإن ما يتم الترويج له في لبنان على إنه عودة طوعية ما هو حقيقة إلا إعادة قسرية وتحايل على القوانين الدولية وهذا ما تؤكده الكثير من الوقائع والتقارير الحقوقية فوفقاً لتقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش بعنوان ” الإعادة القسرية للسوريين من قبل السلطات اللبنانية غير قانونية وغير آمنة.[1] فلقد تعرض اللاجئون السوريون الذين عادوا بين 2017 و 2021 من دول الجوار لانتهاكات خطيرة و اضطهاد واعتقالات على أيدي قوات النظام السوري والميليشيا التابعة لها.
وبالرغم من تزايد نسبة الفقر بين اللاجئين السوريين في لبنان بسبب كارثة جائحة كورونا والتي تزامنت مع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان ونقص التمويل المقدم لمفوضية اللاجئين والمنظمات المعنية بشؤون اللاجئين في لبنان واعتماد غالبية اللاجئين السوريون في لبنان على الاقتراض للاستمرار في الحياة ، ومع كل هذه الضغوط التي يعانيها اللاجئون السوريون لم يكن هناك أي زيادة في نسبة العائدين طوعاً إلى سوريا فهم غير قادرين على ضمان سلامتهم ولا أمنهم بعد عبور الحدود ، وأغلب من اختار العودة الى سوريا من لبنان فعلوا ذلك بسبب الضغوط الشديدة التي تعرضوا لها في لبنان تحت وطأة الإجراءات التعسفية والسياسة الممنهج التي اتخذتها الحكومة اللبنانية الهادفة إلى إجبار اللاجئين السوريين على المغادرة وتعرض الكثير منهم لانتهاكات جمة من قبل النظام والميليشيات التابعة له من الاعتقال الى القتل خارج إطار القانون والاغتصاب والاخفاء القسري.
وكيف يحاول لبنان إقناع المجتمع الدولي بأن العودة للاجئين هي عودة طوعية سيقوم بتنسيقها مع نظام الأسد النظام الذي هو السبب الرئيس في تواجد اللاجئين السوريين في لبنان إضافة لحزب الله اللبناني الذي شارك بعمليات القتل والتهجير وتدمير المدن والقرى السورية و في ظل تواجد ” ميليشياته أي حزب الله” اللبنانية في سوريا وسيطرتها على عدة مناطق حولتها لأنشطتها الممنوعة كمدينة القصير في حمص التي حولها الحزب لمزارع لزراعة “القنب الهندي” وقام بقطع الأشجار وبيعها كحطب للاجئين السوريين في لبنان وفي نفس الوقت تمنع قوات حزب الله أي لاجئ من العودة لمدينته او قريته الخاضعة لسيطرة الحزب، وفي الأونة الأخيرة بدأ الحزب بالتوسع الى مناطق جديدة في دير الزور وتوسيع نشاطه بالاتجار بالمخدرات عبر الأراضي السورية.
تحريض وتهديد علني للسوريين في لبنان
القرارات التي صدرت عن عدة بلديات لبنانية بتقييد حركة السوريين وعدم السماح لهم بالعمل أو السكن في مناطق معينة وفرض حظر تجوال تمييزي عليهم وفي بعض الأحيان اعتقالهم دون سبب وفي حالات الاعتداء عليهم بالضرب ورفض بيعهم مواد غذائية كالخبز والطحين، ووصل الأمر لتهديدهم وإرهابهم من عصابات حزب الله أو غيرها من الجهات اللبنانية المحسوبة على النظام السوري، وبلغ الأمر بتهديدهم جماعياً على لسان البطريرك الماروني في لبنان، بشارة الراعي حيث قال في مقابلة ببرنامج “وهلق شو”، الذي يبث على تلفزيون الجديد قال البطريرك بشارة الراعي: موجهاً كلامه لاجئين السوريين “فرضت عليكم “الحرب الأولى”، ولكن إن لم تعودوا إلى منازلكم فأنتم تفرضون على أنفسكم “الحرب الثانية، ولا يمكنكم البقاء على حساب لبنان”، خطاب الكراهية والعنصرية تتصاعد بشكل غير مسبوق والتضييق على اللاجئين السوريين يزداد يوماً بعد يوم وبكل تأكيد الحل لا يكون بإرسالهم إلى الموت، وإعادتهم إلى كنف من تسبب بلجوئهم منذ البداية.
وجهة العودة غير معلومة خاصة بعد استيلاء النظام السوري على أملاك المهجرين
ووفقاً لوسائل إعلام لبنانية فإن الحكومة السورية ستقوم بإرسال باصات إلى لبنان لنقل المرحلين تحت إشراف مفوضية اللاجئين في لبنان، ولا يعلم إن كانت الباصات هي نفسها التي قامت بنقل السوريين سابقاً من مدنهم وقراهم بعد سيطرة الأسد عليها إلى الشمال السوري ، ولا يعلم إلى أين ستكون وجهة هذه الباصات بعد أن قام الأسد بإصدار عدة مراسيم وقرارات تفيد بمنع عودة السكان للكثير من المناطق التي شهدت احتجاجات معارضة للنظام وبمصادرة أملاك المهجرين السوريين و إعادة تنظيم مخططات عدة مناطق وهدمها في ظل سياسة استخدام النظام المخططات التنظيمية الجديدة كانتقام من معارضيه وتشتيت المجتمعات الحاضنة للمعارضة.
فقام النظام السوري بإصدار المرسوم 66 لعام 2012 أول قانون استحدث نمطًا جديدًا لتنظيم المناطق في محافظة دمشق وشكّل خطرًا على حقوق الملكية والسكن، ومهّد لظهور القانون رقم “10” لعام 2018 والذي يعتبر مكمل للمرسوم 66 عدا أنه يشمل كل الأراضي السورية والمرسوم رقم 40 لعام 2012 الخاص بإزالة الأبنية المخالفة والقانون رقم 23 للعام 2015 الخاص بتنظيم عملية تهيئة الأراضي للبناء ووضع المخططات التنظيمية والقانون رقم 33 للعام 2017 الخاص بإعادة تكوين الوثيقة العقارية والقانون رقم 35 للعام 2017 بإلقاء الحجز الاحتياطي على أموال المكلفين بالخدمة الإلزامية والقانون رقم 1 للعام 2018 بإنشاء حرمين على طول نفق جر المياه من نبع الفيجة والقانون رقم 3 للعام 2018 المتعلق بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة وهدمها، إضافة إلى التعميم 4554 الصادر عن وزارة العدل لعام 2015 والذي منع إجراء أي معاملة عقارية دون موافقة الأجهزة الأمنية،
والتعميم رقم 30 الصادر عن وزارة العدل للعام 2021 يعيق قدرة السوريين الغائبين أو المفقودين على التصرف بأملاكهم، إذ يشترط حصول الوكيل والموكل على موافقات أمنية. جاءت هذه الخطوات جميعها ضمن سياسة السيطرة على أملاك اللاجئين والمغيبين لا سيما في المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة قوات المعارضة.
ما هو مبدأ عدم الإعادة القسرية
بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية يحظر نقل شخص من سلطة إلى سلطة أخرى في حال تواجد أسباب وجيهة تدعم هذا المبدأ، كالاعتقاد بأن الشخص سيواجه انتهاكات لحقوقه الأساسية واحتمال تعرضه للتعذيب او القتل او الاعتقال أو الاضطهاد بسبب العرق او الدين أو الجنسية أو الانتساب إلى فئة اجتماعية معينة أو اعتناق رأي سياسي، ويعنى بكلمة النقل هنا “أي إجراء بموجبه يتم نقل السيطرة على الفرد من سلطة إل سلطة أخرى ضمن عمليات الإعادة أو الترحيل أو الطرد أو حتى تسليمه لسلطات بلده الذي فر منه أو أي إجراء أخر مماثل بغض النظر عن التوصيف المتبع” ومبدأ عدم الإعادة القسرية منصوص عليه صراحة في أحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي اللاجئين، و القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبحسب عدة هيئات حقوقية دولية فإن مبدأ عدم الإعادة القسرية يشكل مبدأ من مبادئ القانون الدولي العرفي.
بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية يحظر نقل الأفراد سواء أكان الخطر الذي يهددهم مصدره دولة أو جهات فاعلة غير حكومية “حزب الله على سبيل المثال ” خاصة عندما تكون السلطات في دولة العودة غير قادرة على حمايتهم، ولا يخفى على أحد أن سلطة حزب الله في سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرته قد تفوق بحال أو بأخر سلطة الدولة السورية، وبكل تأكيد لبنان لم يتطرق ولو بتصريح عن تقييمه لسلطة حزب الله في سوريا ومسيطرته على مساحة كبيرة من المناطق خاصة على الحدود السورية اللبنانية. انظر المبادئ التوجيهية بشأن الحكاية الدولية.[2]
ماهي الأسباب الموجبة بعدم نقل الأشخاص وفق مبدأ عدم الإعادة القسرية؟
وفق القانون الدولي للاجئين، فإن اتفاقية جنيف للاجئين للعام 1951[3] وبروتوكول العام 1966[4] فإنه يحظر إعادة اللاجئين وطالبي الحماية وملتمسي اللجوء إلى الأقاليم التي قد تكون حياتهم وحريتهم مهددة فيها بسبب العرق، او الدين، أو الجنسية، أو الانتساب إلى فئة اجتماعية معينة أو اعتناق رأي سياسي.
يخضع مبدأ عدم الإعادة القسرية لاستثناء يتمثل عندما يشكل اللاجئ خطر على أمن البلد الذي يتواجد فيه وصدر بحقه حكم نهائي بسبب ارتكابه جرم استثنائي الخطورة ” المادة 33 الفقرة 2 من اتفاقية اللاجئين للعام 1951″ [5] وبناء على هذا النص ورغم ذلك يوصى بتفسير هذا الاستثناء بالمعنى الضيق، فيجب ألا تتم إعادة أي لاجئ بهذه الحالة إلا تنفيذاً لقرار قضائي صادر بموجب قواعد الإجراءات في بلد اللجوء، و ان يكون القرار قد أصبح قطعياً وصادر عن جهة مختصة وذلك بعد أن يكون قد سمح للاجئ بأن يمارس حقوقه القانونية من تقديم أدلة قد تثبت براءته وحق في توكيل محام للدفاع عنه و أن يسمح له باتباع إجراءات الاستئناف والنقض بالحكم.
وعلى عكس القانون الدولي للاجئين فمبدأ عدم الإعادة القسرية وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يوفر أي استثناء ويتم منح حق عدم الإعادة لكل فرد بغض النظر عن وضعه القانوني، الأمر الذي يفيد بأنه، حتى لو كان من الممكن إعادة اللاجئ بموجب القانون الدولي للاجئين فإن القانون الدولي الإنساني يمنع هذه الإمكانية.
لبنان دولة غير موقعة على اتفاقية اللاجئين للعام 1951
لبنان دولة غير موقعة على اتفاقية اللاجئين للعام 1951 وبالتالي يعني هذا أن الحماية القانونية الممنوحة للاجئين في لبنان محدودة، ورغم أن الحكومة اللبنانية سمحت لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بتسجيل اللاجئين، ما زالت تلك الحماية التي يمنحها ذلك التسجيل محدودة، فالتسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في لبنان يتيح بعض الحماية القانونية وهو مهم في تمكين الوصول إلى الخدمات لكنّها لا تمنح اللاجئين الحق في طلب اللجوء أو الحصول على الإقامة القانونية أو صفة اللجوء. وهذا ما يجعل اللاجئين في وضع لا يخلو من التحديات، وتزيد فرص تعرضهم للإساءة والاستغلال كما يحدث هذه الأيام وتتناقله وسائل الإعلام الدولية والمحلية وتقارير المنظمات الحقوقية.
ينظر القانون اللبناني إلى اللاجئين من سوريا من غير الحاملين لوثائق الدخول أو الإقامة في لبنان على أن وجودهم “غير شرعي” وهذا ما يحد من صفتهم القانونية في البلاد، تنطبق هذه الحالة على من يعبر الحدود غير الرسمية أو من لم يتمكن من تجديد تأشيرة إقامته.
لبنان ملزم بعدم إعادة اللاجئين قسراً
لبنان ملزم بالمبدأ القانوني العرفي المتعلق بمنع الإعادة القسرية وبالالتزامات التي تفرضها معاهدات حقوق الإنسان التي وقعها والمُدخلة أحكامها في الدستور اللبناني. وتوصي المعايير الدولية في الحد الأدنى تبني تدابير الحماية المؤقتة لضمان سلامة قبول اللاجئين وحمايتهم من الإعادة القسرية واحترام حقوقهم الإنسانية الأساسية[6]، إلا إن التوجه اليوم لدى حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ينعكس بمحاولتها فرض خطة لإعادة اللاجئين السوريين قسرياً إلى سوريا كونها تعتبرهم مجرد ” أفراد نازحين بشكل مؤقت ” يتوجب عليهم العودة في وقت ما إلى ديارهم الأمر الذي سيعرض حياة الكثيرين للخطر أو المغادرة إلى بلد ثالث ، الأمر الذي يستحال تنفيذه لهذا العدد الكبير من اللاجئين الموجودين في لبنان.
بموجب قانون حقوق الإنسان تحظر الإعادة القسرية لعدة أسباب ومن أقوى أشكال الحماية هي احتمال التعرض للتعذيب “ومنصوص عنها صراحة في اتفاقية مناهضة التعذيب” [7].
لبنان دولة طرف في “اتفاقية مناهضة التعذيب”، فهو ملزم بعدم إعادة أو تسليم أي شخص معرض لخطر التعذيب أو المعاملة القاسية أو الحرمان من الحرية أو الحرمان التعسفي من الحياة وتم النص على ذلك صراحة في الصكوك الإقليمية للقانون الدولي لحقوق الانسان[8] ، وشددت لجنة الأمم المتحدة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان على أن المبدأ قد أكتسب صفة القواعد العرفية بناء على هذه الأسباب. وتوسع عدة صكوك دولية وإقليمية ومحاكم إقليمية نطاق الحظر ليشمل أسباب أخرى كالخشية من تعرض اللاجئ للاختفاء القسري [9] أو تجنيد الأطفال القصر في العمليات القتالية أو تعرض الشخص لعقوبة الإعدام أو إن كان اللاجئ يعاني من مرض خطير وقد تؤدي إعادته إلى تردي صحته مما قد يضعه تحت معاناة شديدة وخطر الموت.
المصير المميت للعائدين من اللاجئين السوريين:
لا زالت سوريا تصنف على أنها دولة غير آمنة ولم تتحقق بعد أي من الشروط الأساسية لتهيئة ظروف العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين بل إن الأمور تذهب من سيء إلى أسوأ على من تبقى في سوريا حتى على موالاة الأسد فلا يوجد كهرباء وهناك أزمة وقود وتضخم اقتصادي و تزداد نسبة الفقر يوماً بعد يوم مع انتشار متصاعد للجريمة وتعاطي المخدرات التي ساهم في انتشارها نظام الأسد والميليشيات الحليفة له كحزب الله اللبناني ، ولا يفهم من الحكومة اللبنانية ماهي الأسس التي تبني عليها خطتها لإعادة اللاجئين السوريين مع أن نصف الحكومة اللبنانية فعليا هم من القوى التي شاركت الأسد في القتل والتهجير ، ومع عدم وجود تقدم ملحوظ في العملية السياسية التي هي الأساس للانتقال السياسي للسلطة في سوريا، ومع بقاء الأسد في السلطة فالأمور باقية دون أدنى تغيير، وأي إعادة للاجئين السوريين إلى ظل نظام الأسد ماهي إلا مشاركة في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ولا زال مستمر في ارتكابها.
الكثيرون ممن غادروا سوريا منذ العام 2011 بسبب قمع نظام الأسد معرضون لخطر الاضطهاد والاعتقال التعسفي او التعذيب او غيره من أصناف المعاملة السيئة بما فيها الاغتصاب والعنف الجنسي والتي انتهجها نظام الأسد والميليشيات الحليفة له كحزب الله اللبناني، وأجمعت عدة تقارير من منظمات حقوقية على تعرض النساء والأطفال والرجال العائدين الى سوريا للاعتقال غير القانوني أو التعسفي والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري، وهذه الانتهاكات ارتكبت بحق العائدين لمجرد أنهم لاجئون نزحوا خارج سوريا مما يفسره نظام الأسد و أفرعه الأمنية على أنهم ينتمون للمعارضة.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر العام 2021 بعنوان ” أنت ذاهب إلى الموت.. الانتهاكات ضد اللاجئين العائدين إلى سوريا”[10] خلصت منظمة العفو الدولية إلى استنتاج مفاده أنه لا توجد في سوريا أي منطقة آمنة يمكن للاجئين العودة إليها، بما في ذلك العاصمة دمشق أو منطقة دمشق، وأن الأشخاص الذين رحلوا عن سوريا منذ اندلاع الصراع فيها معرضون لخطر حقيقي يتمثل في تعرضهم للاضطهاد لدى عودتهم.
اقتباس من التقرير ” ومن خلال تحقيقاتها، وثقت منظمة العفو الدولية 66 حالة، على وجه الإجمال، لأفراد تعرضوا لانتهاكات جسيمة لدى عودتهم إلى سوريا، ويتألف هؤلاء من 13 طفلاً كانت أعمارهم تتراوح بين ثلاثة أسابيع و17 سنة وقت وقوع الانتهاكات، و15 امرأة، 38 رجلاً”
وفي تقرير لهيومن رايتس ووتش بعنوان” حياة أشبه بالموت “[11]صدر في أكتوبر العام 2021 يتحدث عن المصير المميت اللاجئين العائدين من لبنان والأردن إلى سوريا، ويشير التقرير إلى أن اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان أو الأردن إلى سوريا بشكل طوعي بين العامين 2017 و2020 تعرضوا لأبشع الانتهاكات من قتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري والتعذيب من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها.
ولا ينسى أنه خلال ما يسمى بالمؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين الذي نظمته واستضافته روسيا وسوريا العام 2020، تم تسريب تسجيل صوتي من طرف الحاضرين وفضحوا أكذاب نظام الأسد بالقول إن السوريين يفضلون الفرار من البلاد على العودة إليها.
النظام اعتقل الناجين من غرق مركب الموت
بتاريخ يوم الخميس 22 من أيلول العام 2022 غرق مركب قبالة سواحل طرطوس السورية، وعلى متنه 180 شخصا، لقي ما يقارب 100 شخصا منهم مصرعهم، لغاية 27 أيلول، وكان المركب الذي يضم سوريون ولبنانيون وفلسطينيون قد انطلق من مدينة المنية شمال لبنان باتجاه إحدى الدول الأوربية هرباً من الواقع المؤلم الذي تعيشه الأسر في لبنان سواء أكانوا لبنانيون أم فلسطينيون أم لاجئون سوريون في ظل تدهور اقتصادي غير مسبوق تشهده البلاد.
الناجون من السوريين والفلسطينيين السوريين نجوا من الموت ليقعوا في قبضة جلادهم الذي هربوا منه قبل أعوام إلى لبنان، حيث قامت قوات النظام السوري باعتقال الناجون من الغرق وجلهم من اللاجئون السوريون والفلسطينيين في لبنان، وفق مصادر خاصة قالت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، إن النظام السوري اعتقل عدداً من السوريين والفلسطينيين الناجين من حادثة غرق المركب قبالة السواحل السورية، البالغ عددهم 20 شخصاً، من أصل أكثر من 150 طالب لجوء كانوا على متن القارب اللبناني.
ونقلت “المجموعة” عن مصادر خاصة، قولها إن الأجهزة الأمنية اعتقلت بعض الناجين “بحجة أنهم مطلوبون أمنياً أو للخدمة الإلزامية”، بينما أشارت مصادر إلى أخرى إلى اعتقال ناجين من داخل مشفى “الباسل” في طرطوس للتحقيق معهم ولن يعيد النظام السوري إلى لبنان سوى اللبنانيون و الفلسطينيين اللبنانيون.
فكيف للبنان أن يستطيع تأمين عودة اللاجئين السوريين الى سوريا في ظل نظام لا يتوانى عن اعتقال أي من العائدين، حتى لو لفظته الأمواج لسوء حظه على شواطئ سوريا.
أكذوبة مراسيم العفو التي أصدرها الأسد
كل مراسيم العفو عن الجرائم المرتكبة قبيل إصدارها والتي أصدرها الأسد ما هي حقيقة إلا للعفو عن مرتكبي تلك الجرائم من قواته والميليشيات الحليفة له، وكل الدعايات التي يروج لها النظام بأن سوريا أصبحت آمنة وهي ترحب بعودة أبنائها ما هي إلا أكذوبة يتم ترويجها لتعويم نظام الأسد وكل من انخدع بها من اللاجئين لقي حتفه عند عودته الى سوريا، ويسعى النظام السوري من هذا الترويج لصنع مكاسب سياسية ستعود عليه بالكثير سواء على صعيد الواقع السياسي الدولي وفك العزلة الدولية المفروضة عليه مما يساهم في رفع العقوبات المفروضة عليه ومن ناحية أخرى زيادة مكاسب المساعدات المالية المقدمة للاجئين و التي تساهم في اقتصاد الأسد عبر سعر الصرف للعملات الأجنبية، وكنتيجة في حال نجاحه بما سبق بدء خططه التي يروج لها بإعادة الإعمار استقطاب الشركات الكبرى للسوق المحلية مما يساهم في بدء مرحلة جديدة لنظام الأسد في محاولة منه لطي صفحات جرائمه التي ارتكبها ولازال على مدار الإحدى عشر سنة الماضية.
إحدى قصص العودة الى سوريا هي قصة السوري محمد درباس الذي كان يقيم في تركيا وقرر منتصف العام 2022 العودة مع عائلته الى سوريا الى مدينة حلب بعد ترويج النظام ان سوريا باتت آمنة وأنها ترحب بأبنائها وبعد عشرة أيام من عودة درباس إلى حلب، أبلغه عنصر أمني بضرورة مراجعة الفرع بحجة “التوقيع على إفادة”، وزعم أن الأمر لا يحتاج أكثر من نصف ساعة.
الساعة تحولت لاعتقال دام عشرة أيام قبيل أن يتم الاتصال بزوجته ولإبلاغها بالذهاب واستلام جثته حيث زعم عناصر الأمن انه قد توفي إثر نوبة قلبية (السبب الذي قضى به أغلب المعتقلين في سجون النظام حسب بيانات الوفاة للكثير من المعتقلين)، ناشطون أكدوا أن الجثة كانت موضوعة في كيس قمامة أسود اللون، وحين فتحته الزوجة وجدت أن الدرباس متعرض لتعذيب وحشي أدى إلى مقتله.
هذه قصة من قصص كثيرة تحتاج لمئات الصفحات لتصف التعذيب وقصص الذين قتلوا تحت التعذيب بعد عودتهم الى سوريا.
البنية التحتية المتردية سواء خدمياً أو صحياً
تشهد مناطق سيطرة النظام واقعاً خدمياً متردياً على كل الصعد واهمها الواقع الصحي المتردي الذي عانى ولازال من هجرة أصحاب الاختصاص وارتفاع أسعار الأدوية وتفشي واسع للفساد والمحسوبيات مما لا يدع مجال للشك في عدم قدرة النظام على مواجهة الأزمات الصحية والأوبئة وقد تكون “الكوليرا” التي تضرب مناطق عدة في سوريا منها 6 محافظات تخضع لسيطرة النظام السوري هي دلالة على عدم قدرة النظام الصحي في مناطق الأسد على مواجهة الأزمات الصحية والأوبئة.
بدورها حذرت منظمة الصحة العالمية من تفشي مرض الكوليرا في سوريا وتحوله لوباء لا يمكن السيطرة عليه بسبب تردي واقع الخدمات الصحية وتراجع منظور في البنية التحتية كاملة.
مهما كانت الظروف سيئة في لبنان وتدفع الحكومة اللبنانية لخطوة إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا فإن الواقع لا يشير إلا إلى أن الظروف ستكون في سوريا أسوأ بالنسبة للاجئين السوريين المعادين من لبنان، ليس فقط على المستوى الأمني الشخصي والخوف من الاعتقال أو الاخفاء القسري او القتل خارج نطاق القانون، سواء من قبل النظام أو الميليشيات التابعة له، بل أيضاً بسبب ضعف الوصول إلى الخدمات الصحية والغذاء الكافي والبنية التحتية.
مواقف المنظمات والهيئات الدولية تجاه خطوة لبنان بفرض العودة القسرية على اللاجئين السوريين
بعثة الاتحاد الأوربي الى سوريا وفي تغريدة لها على تويتر قالت” لكل السوريين الحق في العودة إلى ديارهم، لكن الظروف لم تتوافر بعد. المطلوب أولاً هو تهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين والنازحين داخلياً، وفقاً للقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية.
بدورها فرنسا وألمانيا صرحتا مراراً وتكراراً بأن الظروف في سوريا لم تتغير وأنه لا تغيير في الموقف من رفع العقوبات المفروضة على نظام الأسد ولا بد من محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا.
ولا تزال سوريا مصنفة كبلد غير آمن بالنسبة للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ولمفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
ولا بد من التأكيد على تقريري منظمة Human Rights Watch الاول بعنوان: حياة اشبه بالموت [12] صدر بتاريخ 20/10/2021 والذي يؤكد أن اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان والأردن بشكل طوعي بين 2017 و2021 تعرضوا لانتهاكات حقوقية جسيمة واضطهادا من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري.
والثاني بعنوان: الإعادة القسرية للسوريين من قبل لبنان بشكل غير آمن وغير قانوني [13] صدر بتاريخ 6/7/2022 والذي يؤكد عدم قانونية البنود التي وضعتها الحكومة اللبنانية ويعتبر تلك العودة قسريا للاجئين وتشكل انتهاك لالتزم الحكومة اللبنانية الدولية وخاصة أنها ذكرت سيتم تنفيذه دون التنسيق مع المفوضي السامية في حال رفضت المفوضية الخطة اللبنانية المقترحة.
توقف الحكومة اللبنانية و من يمثلها عن الإدلاء بالتصريحات المعادية للاجئين السوريين التي تمثل خطاب كراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان و التي تعتبر أهم أدوات تأجيج الخلاف بين المجتمع اللبناني و اللاجئين السوريين مستغلين الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان و تحمل وزرها للاجئين السوريين و الذي سيزيد الاحتقان ضد وجود اللاجئين السوريين و يعرضهم للخطر من تعرضهم للاعتداء على أرواحهم وممتلكاتهم مما يجعل يكون ادوات ضغط عليهم لإعادتهم قسرا إلى سورية
ندعم موقف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين برفض إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم من لبنان ردا على الخطة خطة أعلنها وزير المهجرين في الحكومة اللبنانية كونها خطة عشوائية مبهمة الملامح تشكل خرقا و انتهاك لحقوق الإنسان و حقوق اللاجئين السوريين
منح جميع اللاجئين السوريين وضع هجرة نظامي يحميهم من الإعادة القسرية و السماح لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين مرة أخرى بتسجيل اللاجئين الجدد.، وتراجع عن قرار المديرية العامة للأمن العام بترحيل اللاجئين الذين دخلوا لبنان “بصورة غير قانونية” بعد تاريخ 14 نيسان 2019
الضغط على الحكومة اللبنانية بالتراجع عن الخطوة المزمع اتخاذها بإعادة اللاجئين السوريين، وعدم تنفيذ “ورقة السياسة العام لعودة النازحين ” التي تم اعتمادها في 14 تموز 2020.و التي نصت في بندها الخامس عدم ربط عودة النازحين بالعملية السياسية في سوريا كونها تعد خرقا لمبادئ القانون الدولي المتعلقة باللاجئين
زيادة الدعم المقدم للبنان ولمفوضية اللاجئين في لبنان والمنظمات العاملة بشؤون اللاجئين مما قد يدفع الحكومة اللبنانية للتراجع عن قرارها في حال دخول سيولة مالية الى البلاد، وتوفير الحماية للاجئين السوريين وخاصة المطلوبون سياسيا والمنشقون عن الجيش والشرطة والذي يشكل إعادتهم الى سوريا حكماً مباشرا بالإعدام.
ندعو جميع الأطراف السياسية في لبنان أبعاد ملف اللاجئين السوريين عن المناكفات السياسية و لإغراض انتخابية و التعامل معه من الناحية الإنسانية وفقا للقوانين الدولية.