في استجابة لألية التعافي المبكر التي روجت لها روسيا والنظام السوري كبديل لاعتراضهما على السماح بدخول المساعدات عبر المعابر الحدودية والإبقاء على معبر باب الهوى فقط بين تركيا ومناطق سيطرة المعارضة، والضغط الذي مارسته روسيا لحصر تقديم المساعدات عبر النظام السوري، كان أول المستجيبين السيد دان ستوينيسكو رئيس بعثة الاتحاد الأوربي الى سوريا بالاشتراك مع هيئات ومسؤولين تابعين للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في زيارة من المقرر أن تشكل كل من حمص وحلب وحماة.
وفي تغريدة على تويتر لعمران رضا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية ظهر فيها إلى جانب ستوينيسكو وهما يستقلان طائرة، متوجهين إلى مدينة حلب، قال عمران في تغريدته: “نتوجه إلى حلب مع ستويتيسكو في زيارة مشتركة. بفضل برنامج الغذاء العالمي والجهات المانحة لتحسين وصول العاملين في المجال الإنساني إلى الشمال والشمال الشرقي من خلال الرحلات الجوية”.

وأضاف رضا: “هي أول زيارة مشتركة مع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى حلب وحمص وحماة، منذ بدء الأزمة. مع ارتفاع الاحتياجات في سورية من الضروري التركيز على التعافي المبكر والاستثمارات، لتجنب المزيد من التدهور”.
فات رضا أن يضيف في التغريدة بناء على رغبة الروس ونظام الأسد نحن هاهنا في سوريا، فالروس ضغطوا بشدة في ملف المساعدات الإنسانية حتى تم تقليص عدد المعابر من أربعة إلى معبر واحد هو معبر باب الهوى حيث تم تمديد القرار الأممي رقم “2585” الخاص بالمساعدات عبر باب الهوى “المعبر الحدودي بين سوريا وتركيا” لمدة 6 أشهر فقط، مع إصرار موسكو على الحصول على المساعدات على مبدأ “عبر الخطوط” وقضية التعافي المبكر بدلاً من المساعدات عبر الحدود.

هل زيارة البعثة الى سوريا هي الحل البديل لإدخال المساعدات إلى سوريا

بعد التعنت الروسي المتواصل بما يتعلق بملف إدخال المساعدات ومنح الأذن لوكالات الأمم المتحدة والذي وصل لمرحلة إغلاق المعابر الثلاثة “باب السلام، اليعربية، الرمثا ” ونجاح الروس بالإبقاء على المعبر الرابع الوحيد ” باب الهوى ” فقط لمواصلة إدخال المساعدات وسط تعنت دائم في كل عام بخصوص تمديد فعالية القرار 2533 بإيصال المساعدات عبر باب الهوى لمدة ستة أشهر فقط بتاريخ 11 تموز العام 2022.

و أمسى ملف تجديد آلية إدخال المساعدات إلى سوريا ورقة للابتزاز السياسي من قبل الروس والنظام السوري، لاستغلاله في تحصيل مكاسب فوق إنسانية، لذلك بدأت بعض الهيئات الأممية والمنظمات العاملة في مجال الإغاثة تطالب بإيجاد آلية مختلفة يضمن فيها إيصال المساعدات للمحتاجين من النازحين السوريين قبيل الدخول في دوامة الشتاء القادم ، ولكن لم يخطر ببال أحد أن تكون أولى الخطوات هي من قبل البعثة الأوربية و بتوافق تام مع الخطة الروسية ومن وراءها نظام الأسد، فنظام الأسد يريد وعبر حلفائه الروس، تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من هذا الملف، من خلال فرض تمرير المساعدات “عبر الخطوط” ليصار له التحكم بالمناطق الخارجة عن سيطرته وقاطنيها بهدف إجبارهم تدريجيا على العودة إلى “بيت الطاعة”، وإخضاعهم عبر التحكم في السبيل الوحيد لتقديم المساعدات الأممية وما يترافق معها من انتعاش اقتصادي لمناطق سيطرة الأسد ، ويعمل الروس على استخدام ورقة الضغط هذه بطيف أوسع من الدائرة المحصورة بسوريا، إذ بات ملف المساعدات ورقة تلوح بها روسيا أمام الغرب والولايات المتحدة تحديداً مقابل ملفات عدة، إقليمية ودولية، ومع تقديم التنازلات، باتت القضية السورية هي من تدفع الثمن، لربط الملف الإنساني بالسياسي وحتى بالعسكري، حين يلجأ الروس والنظام للضغط من خلال القصف على المناطق المدنية المأهولة بالسكان، لإجبار المجتمع الدولي للانصياع إلى الرغبات الاستثمارية.

ماهي آليات دخول المساعدات إلى سوريا؟

الآليات الثلاث المعتمدة لإدخال المساعدات الإنسانية – الأممية إلى سورية، تأتي على الشكل التالي:
أولاً: المساعدات داخل مناطق النظام بموجب القرار 2585 لعام 2021: الذي ربط القرار السابق بتقديم المساعدات عبر الحدود في مناطق سيطرة النظام وشجع هذا القرار على تقديم مساعدات التعافي المبكر وخصتها عبر الصليب الأحمر والهلال الأحمر الموجودين في دمشق وهي المساعدات التي تقدّمها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وهذا يكون ضمن المحافظة التي تملك فيها الأمم المتحدة مستودعات ومكاتب مثل حلب ودمشق. وهنا التنفيذ إجباري ومحصور بكونه عن طريق “الهلال السوري” و”الأمانة السورية للتنمية”، المرتبطين بالنظام، وتمت أخيراً إضافة بعض المنظمات التي يقبلها النظام.

عبر الخطوط: المساعدات التي تقدّم من داخل سورية وتعبر بين مناطق سيطرة مختلفة “نظام – معارضة”، “نظام – معارضة – نظام”، وهذه الطريقة تكون عبر تسيير قوافل إنسانية يتحكم النظام السوري بشكل شبه كامل بها من خلال إجراءات بيروقراطية عدة. ومن هذه الإجراءات، التحكم بالوقت، وذلك من خلال تأخير الموافقات بحسب مصالحه السياسية، والتحكم بالمواد الموافق عليها، مثلاً رفض المواد الطبية وبعض المواد الغذائية، وذلك للتحكم بما يدخل إلى المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة، والتحكم بالمناطق التي سيتم خدمتها من خلال رفض أو قبول القافلة المرسلة.

عبر الحدود: والتي تمّت من خلال قرار مجلس الأمن للمساعدات عبر الحدود بموجب القرار رقم /2533/ لعام 2020 وتسمح للأمم المتحدة والمنظمات الانسانية بإدخال مساعد الإنسانية من خارج سورية إلى داخلها، أو تنفيذ مشاريع في مناطق خارج سيطرة النظام من دون موافقة النظام، وهي الطريقة التي تزود الخدمات والمساعدات كاملة لكل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.


ـ ويسعى النظام والروس إلى هدفين أو أحدهما، الأول إنهاء الآلية برمتها، أي إدخال المساعدات بشكل كامل عبر النظام، بذريعة معارضة مبدأ سيادة الدولة، وبالتالي ضمان وضع النازحين والقاطنين في مناطق سيطرة المعارضة في وضع مأساوي صعب، يسهل من خلاله القبول بخيارات سياسية يفرضها النظام والروس، أي إعادة تلك المناطق لسيطرة النظام سلماً أو حرباً بالتعويل على اليأس والإفقار والحرمان.
أما الهدف الثاني، فهو حصر إدخال المساعدات بآلية عبر الخطوط أي خطوط التماس بين مناطق النظام والمعارضة، وهو خيار ربما يكون أخطر من الأول، لحصر المساعدات وتوزيعها انطلاقاً من مناطق النظام، مما يوفر البيئة لتطبيق مبدأ التعافي المبكر في مناطق النظام ومحاولته بشكل مباشر او عبر حلفائه الروس بتأهيل مشاريع الخدمات من كهرباء وماء وغيره.


ما هو التعافي المبكر؟


لا يوجد فعليا شرح محدد لمسألة التعافي المبكر، ولكنه يعتمد بشكل مباشر على تقديم المساعدات الإنسانية المقدمة عبر المنظمات وهيئات الإغاثة الدولية وعبر المانحين الدوليين لبرامج المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وخدمات أساسية من مياه شرب وصرف صحي وطبابة. وكان العديد من الجهات والعاملون في المجال الإنساني قاموا بالتركيز على مشاريع التعافي المبكر لتحسين ظروف المعيشة لمن لازالوا يعيشون في مناطق سيطرة الأسد.
وفي حال انتهاج بعثة الاتحاد الأوربي لمبدأ المساعدات عبر الخطوط كحل بديل لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر باب الهوى فإن المتحكم بدخول المساعدات والخدمات للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام هو نظام الأسد نفسه ولك ان تتخيل كيف سيكون آلية العمل.


خطورة اعتماد آلية “عبر الخطوط” لتقديم المساعدات الإنسانية


وتكمن خطورة إدخال المساعدات “عبر الخطوط” في عدة نقاط
حسب تصريح نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا مارك كتس لوكالة فرنس برس إن خمس عمليات مماثلة فقط جرى تنظيمها حتى الآن لتقديم المساعدات للسكان المحتاجين عبر مناطق سيطرة الحكومة السورية لذلك حسب التصريح كتس نرى أن الصعوبات اللوجستية لتنفيذ هذه الآلية تتجسد في الموافقات الأمنية من كلا طرفي النزاع “نظام الأسد وفصائل المعارضة وهي رهن التوافق بين أطراف النزاع و الخلافات الجذرية العميقة بين الموقفين حيث تسعى روسيا و النظام في تحقيق ما سمّته التوازن في إدخال المساعدات ما بين آليتي عبر الحدود وعبر الخطوط للاستحواذ على نصف المساعدات الإنسانية تمهيداً للحصول عليها بالكامل وإلغاء آلية إدخال المساعدات عبر الحدود
وتسعى موسكو من خلال الضغط لإعادة الهلال الأحمر السوري إلى إدلب لخلق ذراع لها داخل مناطق سيطرة المعارضة، وكما تهدف لخلق اعتراف دولي بسيادة نظام الأسد على كامل الأراضي السورية بما فيها الخارجة عن سيطرته، وإجبار المنظومة الدولية على التعامل مع نظام الأسد، وإزالة القيود التي فرضها “قانون قيصر” الأميركي على نظام الأسد وأذرعه، ومنع الدول من التعامل معه.

تمكين النظام بالتحكم بحجم وتوقيت المساعدات التي تحتاجها أو التي يجب إدخالها إلى مناطق سيطرة المعارضة، وهذا سيرجع إلى مزاجية النظام، وأهدافه السياسية بطبيعة الحال.

ستكون مناطق المعارضة بمثابة المناطق المحاصرة، التي تنظر رحة النظام لإدخال المساعدات إليها، ما يجعل القضية السورية في الأروقة الأممية امام معضلة سياسية إنسانية تحتاج إلى حلول، وبذلك تشتيت الأنظار عن الحل السياسي العام في أروقة الأمم المتحدة.

ستكون المساعدات التي سيتسلمها النظام أداة لدعم واسترضاء قاعدته ومواليه والمقاتلين، وسبق للنظام أن قدم الكثير من المساعدات لمجموعات تقاتل إلى جانبه سواء في الجيش أو الميليشيات.

هنا يجب الإشارة لعدة تقارير من منظمات أممية وثقة بشكل واضح لا لبس فيه تحكم و استيلاء النظام السوري على المساعدات الإنسانية و تتعلق خطورة هذا التقرير غيرها ب ما يسمى اقتصاد الحرب تأثير إدارة اقتصاد الحرب على الانتصار في الحرب – اقتصاد الحرب يؤسس الاقتصاد لما بعد الحرب و تتلخص هذه التقارير بثلاث نقاط


1- تقريران صدرا في عام 2019 عن مؤسسة “هيومن رايتس ووتش”، ومعهد “تشاتام هاوس” المعهد الملكي للشؤون الدولية بالتفصيل نمط التلاعب بتدفق المساعدات الإنسانية الذي تتبناه الحكومة السورية لمعاقبة المواطنين الذين تعتبرهم معادين لها ومكافأة الموالين للحكومة، تحديداً كيف أدت أجهزة المخابرات السورية دوراً محورياً في  توجيه ومراقبة جهود المساعدات الإنسانية في سوريا

2- استخدام النظام المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة في تمويل العمليات لعسكرية للنظام السوري تقرير معهد نيولاينز الأمريكي بتاريخ 1/7/2022 بالأرقام والمعلومات المفصلة نهب حكومة ميليشيا أسد لأموال المساعدات المقدمة لمنظمة الهلال الأحمر، وتحكم أجهزته الأمنية بمعظم أنشطتها وتورط أسماء الأسد بتضليل الداعمين الغربيين عبر شركات التقييم والمراقبة التابعة لها.


3- استفادة الكيانات و الأشخاص مرتبطة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا وهذا ما ذكره تقرير هيومن رايتس ووتش في عام 2022 باستفادة شركة شروق للحماية والحراسات و “فيلق المدافعين عن حلب” من هذه المساعدات الإنسانية مما يجعل توزيع هذه المساعدات لهذه الكيانات و الأشخاص انتهاك صارخا لحقوق الإنسان
هذا ما يدل على فساد المنظمات العاملة في مناطق النظام و تحكم النظام السوري و اجهزته الأمنية بهذه المنظمات وحتى تضليله لمنظمات الأمم المتحدة – إن لم نقل تواطؤ وفساد في العاملين في هذه المنظمات – مما يجعل آلية توزيع المساعدات عبر الخطوط في ظل هذه الظروف ضرب من ضروب الخيال و سيكون كارثياً حيث يستفيد 2,4 مليون سوري شهرياً من مساعدات تدخلها الأمم المتحدة، وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وعبرت الحدود خلال العام الحالي وحده أكثر من 4600 شاحنة مساعدات، حمل غالبيتها مواد غذائية، بحسب المصدر ذاته. فالمنطقة تضم “واحدة من الفئات السكانية الأكثر هشاشة في أي مكان في العالم


أن ما تتذرع به الأمم المتحدة من من دون دور للأمم المتحدة، ستكون هناك مساءلة أقل وشفافية أقل في عملية الاستجابة الشاملة.. ومن الصعب ضمان ما سيكون الوضع عليه” : هذا ينفيه التجاوزات و الانتهاكات التي تحصل في مناطق النظام والتي تم التطرق لها سابقا تشكل يقينا أن مسألة الشفافية ستكون بأدنى درجاتها في التعامل مع النظام السوري لذي سوف يغرف المنظمات الأممية في التفاصيل ويرحم ملايين السوريين في مناطق خارجة عن سيطرته من المساعدات الإنسانية ناهيك عن أن النظام السوري و حسب تقرير منظمة العفو الدولية الصادر بتاريخ 5/7/2022 بعنوان عدم تجديد آخر منفذ للمساعدات الإنسانية يهدد بحدوث كارثة إنسانية تطال الملايين و تطرق التقرير لنقطتين تتعلق بقدرة النظام السوري على لعب دورا في توزيع المساعدات الإنسانية للمناطق الخارجة عن سيطرته وخلص إلى :
1- منذ خسارتها السيطرة على مناطق شمال غرب البلاد، قطعت الحكومة السورية إمدادات الكهرباء والمياه، وعرقلت المساعدات وهاجمت المخيمات والمنشآت الطبية والمدارس، واضعة عبء تقديم الخدمات على كاهل المنظمات الدولية”.
2- واتهمت منظمة العفو الدولية الحكومة السورية بتعمّد ترك النازحين في مناطق خارج سيطرتها، تعتمد كلياً على المساعدات الدولية.
لذلك هذا النظام بتركيبته الحالية ومنظومته الأمنية غير قادر أن يقوم بهذا الدور ولن يكون الحل مطلقا باعتماد آلية توزيع المساعدات عبر الخطوط عن طريق الحكومة السورية.

زيارة مفاجئة


لم يكن هناك أي تمهيد للزيارة سواء من الأمم المتحدة أو بعثة الاتحاد الأوربي خاصة كونها أول زيارة منذ العام 2011 للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في ظل عقوبات اقتصادية فرضها الاتحاد الأوربي على نظام الأسد شملت العديد من الهيئات الحكومية والأشخاص وبعض المؤسسات التابعة للنظام أو التي تتعاون معه.
في الوقت الذي يعلن فيه الاتحاد الأوربي مرارا وتكراراً أن الحل السياسي في سوريا لا يمكن أن يتم إلا بناء على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7588، المعقودة في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، يعلن الاتحاد أنه يقوم بدعم مشاريع إنسانية لإنقاذ حياة ملايين المتضررين بغض النظر عن أماكن تواجدهم في مناطق السيطرة العسكرية المختلفة في سوريا.


وستقوم البعثة بزيارة عدد من المشاريع التي يدعمها الاتحاد الأوربي في ثلاث محافظات خاضعة لسيطرة الأسد هي حلب وحمص وحماة، الزيارة بدأت في ريف محافظة حلب الى محطة مياه ” الخفسة” التي توفر مياه الشرب لما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص في سوريا، وصرح السيد دان ستوينيسكو رئيس بعثة الاتحاد الأوربي الى سوريا إن الاتحاد الأوربي يدعم الاستثمار في البنية التحتية للمياه، وبصدد هذه الزيارة التزمت حكومة الأسد الصمت ولم يبدر منها أي تعليق.

زيارة البعثة الأوربية برئاسة السيد “دان ستوينيسكو” الى مدينة القصير في محافظة حمص


ربما هي الخطوة الأخطر في الزيارة التي يقوم بها السيدان دان ستوينيسكو ومنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية السيد عمران رضا خاصة أنها منطقة خاضعة لنفوذ حزب الله بالمطلق، كيف ستشكل القصير مركز للتعافي المبكر والاستثمارات لتجنب مزيد من التدهور وفقاً لرؤية رئيس بعثة الاتحاد الأوربي الى سوريا ؟
سقطت مدينة القصير السورية في محافظة حمص تحت سيطرة قوات الأسد وميليشيا “حزب الله” بشكل نهائي بتاريخ 5 حزيران العام 2013 , بعد قصف همجي عنيف ومعارك دامية مع قوات المعارضة التي اضطرت لانسحاب ومغادرة المدينة، ومنذ ذلك التاريخ تخضع المدينة لسيطرة حزب الله بشكل مباشر.
وشكلت معارك القصير أهمية في تاريخ الحراك السوري باعتبار اول مشاركة معلنة لميليشيات أجنبية الى جانب قوات النظام السوري، اسفرت السيطرة على المدينة عن تدمير ما يقارب 85% من الأبنية وتهجير كامل سكانها الذين بلغ تعدادهم ما يقارب 969 ألف نسمة وفق إحصائيات العام 2011.
وقام حزب الله بتحويل المدينة في السنوات الماضية الى قاعدة أساسية لقواته، تنطلق منها عملياته العسكرية باتجاه باقي المناطق السورية، ويعلن سيطرة كاملة على كافة المناطق الواقعة على الشريط الحدودي مع لبنان.
ما هو وضع القصير بعد 9 سنوات من سيطرة ميليشيا حزب الله عليها؟


نهاية الجسر المؤدي الى مدينة القصير يتموضع حاجز تابع للفرقة الرابعة من الجيش السوري يقوم بالتحقيق مع العابرين وهدف دخولهم من المدينة وتفتيشهم بشكل دقيق، ويتبع هذا الحاجز سلسلة من حواجز ميليشيا حزب الله التي تفرض سيطرتها المطلقة على المدينة والقرى التابعة لها.
بالرغم من إن المدينة واقعة تحت سيطرة النظام وميليشيا حزب الله، لايزال معظم سكان المدينة الذين هجروا منها يعيشون في المخيمات اللبنانية أو نازحين في مدن الداخل السوري ولم يسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم، فالعودة تحتاج إلى موافقات أمنية، لا يستطيع الأشخاص من غير الموالين والمحسوبين على النظام الحصول عليها، وتعتبر الموافقة الممنوحة من ميليشيا حزب الله هي الأساس فعلياً للسماح بالدخول الى المدينة، فأجهزة أمن النظام السوري لا تملك أدنى سلطة داخل المدينة فعلياً.


تموز العام 2019 أعلن النظام السوري عبر وسائله الإعلامية عودة أول دفعة من نازحي القصير، بتعداد 1200 عائلة كانت تقيم في مناطق سيطرته، وبحسب مصادر للمعارضة من الصعب ان يكون الرقم دقيق خاصة إن معظم أهالي المدينة قد نزحوا إلى لبنان أو مناطق الشمال السوري، وجل العائدين فعلياً هم من الموظفين الحكوميين لدى النظام أو من المواليين له ونزحوا إلى أماكن سيطرة النظام خلال اشتداد المعارك.


الطامة الكبرى هي القانون رقم 10 للعام 2018 والذي بموجبه يسمح من جهة بإنشاء مناطق تنظيمية في كافة أنحاء سوريا في سياق عملية إعادة الأعمار – التي يتم تعينها وفق مرسوم خلال أسبوع من صدور المرسوم القاضي بإعادة أعمار منطقة ما وكانت حكومة النظام أعلنت عن المخطط التنظيمي الرقمي لمدينة القصير بموجب القانون رقم “10”، للعام 2018 وجاء الإعلان عبر صفحة مجلس مدينة القصير في “فيس بوك”، في 10 من تشرين الأول 2018، وقال المجلس إنه “على من يرغب بالاعتراض تقديم اعتراضه لديوان مجلس المدينة اعتبارًا من 10 من تشرين الأول ولغاية 9 من تشرين الثاني بنهاية الدوام الرسمي” الأمر الذي يعتبر شبه مستحيل لمعظم سكان المدينة كونهم لا يستطيعون العودة والمطالبة بحقوقهم خشية التعرض للاعتقال او القتل على أيادي قوات النظام أو ميليشيا حزب الله، ولا يستطيعون حتى توكيل شخص أخر للمطالبة وتثبيت حقوقهم لأن التعليمات التنفيذية نصت على أن الأقارب ملزمين بتقديم اثبات أن صاحب العقار لا يمكنه تقديم ادعاء ملكيته بنفسه، إضافة الى العديد من الشروط التي لا يفهم منها إلا نية النظام من إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين و مصادرة أملاكهم وتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة.


بتاريخ 26 تشرين أول / أكتوبر العام 2020 صدر عن مجلس مدينة القصير القرار رقم “50” الذي بموجبه طالب السكان (غير الموجودين في المدينة، وجلهم نازحين ولاجئين في لبنان أو الشمال السوري) المالكين للبيوت والجدران الطينية بهدمها والتي اعتبرها المجلس آيلة للسقوط، وتم توجيه إنذارات بهدمها خلال عشرة أيام من تاريخ التبليغ، وإلا ستتم إزالتها على نفقة أصحاب العقارات من قبل مجلس المدينة في حال استحالة تبليغهم ووضع التكاليف على ذمتهم المالية. ولا يفهم من هذه التصرفات التي يقوم بها النظام إلا نيته من إفراغ المدينة ومصادرة كافة أملاك النازحين والمهجرين الذي تستحال عودتهم بسبب مخاوفهم الأمنية.


حزب الله وشراء الأملاك العقارية

يقوم حزب الله منذ سيطرة إحكامه على المدينة بتقديم عروض شراء لأهالي القصير الموجودين في مخيمات اللجوء في لبنان عبر إرسال وسطاء لهم، وافق البعض بسبب حاجته المالية، ورفض الكثيرين العروض التي قدمت لهم ببيع أملاكهم، ويقوم الحزب بتسجيل الملكيات التي استطاع شرائها بأسماء سكان المنطقة ممن يحملون الجنسيتين اللبنانية والسورية وينتمون للطائفة الشيعية ويسكنون القرى المحيطة بمدينة القصير.
قطع الأشجار وزراعة الحشيش: في محاولة لتثبيت هيمنته على المنطقة يمنع حزب الله تواجد أي شخص في منطقة غرب نهر العاصي المحاذية للحدود اللبنانية، وقام بحرق المحاصيل الزراعية في المنطقة وقطع الأشجار وبلغت بالحزب الوقاحة أن قام ببيع الأشجار كحطب للنازحين السوريين في لبنان في مناطق عرسال وطرابلس، ومستفيداً من خصوبة التربة ووفرة المياه قام حزب الله بعد قطع الأشجار وحرق المحاصيل باستثمار هذه الأراضي في زراعة الحشيش المخدر والذي يعتبر حزب الله هو المصدر الرئيسي لتجارته في لبنان وسوريا ويقوم بتصديره عبر قنوات التهريب بالاشتراك مع نظام الأسد الى دول الجوار وحتى أوربا، إضافة الى سيطرته المطلقة على طريق التهريب بين سوريا ولبنان واحتكاره كافة عمليات التهريب لمصلحته من تهريب البشر او البضائع الأخرى او الوقود بين سوريا ولبنان.

كيف ترى بعثة الاتحاد الأوربي ومكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فرص التعافي المبكر والاستثمار في القصير؟
بعد كل ما ذكر ووضوح السيطرة الفعلية لحزب الله على المنطقة برمتها ومنعه لأي نشاط بشري غرب نهر العاصي عدا نشاطه في زراعة وتجارة الحشيش المخدر، وقيامه بالتعاون مع نظام الأسد بمحاولات السيطرة على الأملاك العقارية لمهجرين ونازحين القصير، والترويج لإعادة السكان إلى المنطقة في ظل تردي واقع الخدمات الأساسية بداية و في ظل منع غير معلن لعودة اللاجئين المقيمين في الشمال السوري والمخيمات اللبنانية اللذين يتواجد جلهم على قوائم المطلوبين الأمنية لنظام الأسد ثانياً ،وفي ظل الحاجة الى العديد من الموافقات الأمنية فقط لعبور المنطقة ، قد يتفهم المطلع على الواقع السوري زيارة السيدين دان ستوينيسكو رئيس بعثة الاتحاد الأوربي وعمران رضا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية الى محطة مياه “الخفسة” في ريف حلب للمساعدة بتوفير مياه الشرب ولكن من الصعوبة ان يتفهم أي شخص عامل في مجال الإغاثة او المساعدات الإنسانية او القانون الدولي الإنساني زيارة السيد دان ستوينيسكو رئيس بعثة الاتحاد الأوربي الى مدينة القصير في حمص ، خاصة بعد التغريدة التي أطلقها السيد رضا والتي قال فيها ““هي أول زيارة مشتركة مع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى حلب وحمص وحماة، منذ بدء الأزمة.

مع ارتفاع الاحتياجات في سورية من الضروري التركيز على التعافي المبكر والاستثمارات، لتجنب المزيد من التدهور” ويبقى السؤال الأهم كيف يرى السيدان رضا و ستوينيسكو فرص التعافي المبكر والاستثمار في مدينة القصير خاصة في ظل هيمنة حزب الله على المنطقة واستغلالها كقاعدة عسكرية لقواته سيطرته على قنوات التهريب بين سوريا ولبنان جعل المنطقة منطقة أساسية للحزب في استثماره في زراعة الحشيش وتهريبه الى دول الجوار والعالم، الأمر الذي يوفر له التمويل الكافي لعملياته الإرهابية والاجرامية سواء في سوريا أو لبنان.


هل سيكون هناك دور أكبر للاتحاد الأوربي في تقديم المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة النظام بالتعاون مع مؤسسات وهيئات تابعة لنظام الأسد؟


لم يكن هناك دور مباشر للاتحاد الأوربي عبر منظماته ميدانياً رغم كونه المانح الأكبر في المأساة السورية في تقديم المساعدات او القيام بمشاريع مباشرة في مناطق سيطرة نظام الأسد، وكان معظم المشاريع وتقديم المساعدات يتم عبر قنوات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في سوريا تم فيها تقديم المساعدات حتى لمنظمات ومؤسسات قريبة من نظام الأسد وتدار من قبل أسماء الأسد.
ويعتبر مؤتمر بروكسل للمانحين هو المحور الأساسي للدعم المقدم لتوفير المساعدات الإنسانية في سوريا ودول الجوار وتعهد المانحين في مؤتمر بروكسل السادس بتقديم 6,4 مليار يورو للعام 2022 وما بعده لتمويل المساعدات الإنسانية في سوريا ودول الجوار.
الأمر المختلف في زيارة بعثة الاتحاد الأوربي الحالية، هي أنها غير مستثناة من العقوبات الأوربية فعلياً على نظام الأسد ولو كان هو الممول الرئيس للعديد من المشاريع الإنسانية في سوريا، على عكس وكالات الأمم المتحدة التي تعتبر غير ملزمة بأي نوع من العقوبات التي تفرض على دولة ما أو نظام ما كونها حيادية في عملها.


زيارة بعثة الاتحاد الأوربي لن تكون الأخيرة بكل تأكيد وربما يتم الإعلان عن مشاريع إنسانية جديدة مدعومة من قبل الاتحاد الأوربي في سوريا خلال الأيام القادمة، في توجه للمزامنة بين السعي لحل سياسي حسب وجهة نظر الاتحاد الأوربي ووفق لقرار مجلس الأمن 2254، ومساعدات إنسانية ستقدم في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد وفق لما سمي مبدأ التعافي المبكر الذي روجت روسيا لفرضه في عدة مناسبات والتي تهدف منه الى حصر تقديم المساعدات عبر الخطوط لا عبر المعابر مما يجعل نظام الأسد عبر هيئاته ومنظماته المسؤول الأول ميدانياً عن تقديم المساعدات والإغاثة لباقي المناطق في سوريا مما يوفر حيز دعم اقتصادي كبير فعلياً لنظام الأسد.
الاتحاد الأوربي وعبر قنواته الرسمية دائماً ما يصرح بانه لا يجب أن يتأثر تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين في سوريا بالعقوبات المفروضة على النظام السوري، والتي في مجملها تحظر التعامل معه، الأمر الذي يختلف اليوم بزيارة بعثة الاتحاد الأوربي لسوريا.


في تصريح لموقع الحرة الأمريكي قال القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو على أنه “من الأهمية بمكان أن يعرف جميع السوريين أنه بخلاف خلافاتنا السياسية الجادة مع النظام السوري، فإن الاتحاد الأوروبي يموّل المشاريع الإنسانية على الأرض”.
وقال ستوينيسكو، إن زيارة البعثة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى مناطق تحت سيطرة النظام السوري في حلب وحمص وحماة “لها أهمية قصوى”، مضيفاً أنه “مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.



لا يعلم كيف ستتمكن بعثة التحاد الأوربي من التنسيق في تقديم المساعدات خاصة مع عدم وجود أفق لأي حل سياسي في البلاد وفي ظل العقوبات المفروضة على نظام الأسد، وفي ظل اعتراضات كثيرة من منظمات وهيئات إغاثة إنسانية على أن يتم تقديم المساعدات عبر نظام الأسد، الأمر الذي تعكسه زيارة ستوينيسكو لسوريا حالياً والتي قد يفهم منها التوجه لإيصال المساعدات الإنسانية للسوريين في سوريا عبر قنوات النظام السوري ، وفقاً لآلية “عبر الخطوط ” ولا يعلم كيف سيتم التعامل مع المنظمات والهيئات التابعة لنظام الأسد والتي تطالها اتهامات باستخدام المساعدات في تمويل اقتصاد الأسد وتوزيع جزء كبير منها على الموالين له، وربما الخطوة الأخطر في الخطوة التي انتهجا السيد ستوينيسكو هي زيارة مدينة القصير السورية في محافظة حمص ، المدينة التي تخضع بالمطلق لسيطرة حزب الله الذي يمنع عودة أي لاجئ إليها او القرى التابعة لها والتي حول جزء كبير منها لمزارع لإنتاج الحشيش وسيطر على كافة معابر التهريب الرابطة بين لبنان وسوريا عبر القصير، ولا يعلم لمن ستقدم المساعدات في القصير او كيف ترى البعثة الاوربية الى سوريا فرص الاستثمار هناك في ظل كل ماذكر.


ومما كل ما تقدم وعند البحث عن حلول بديلة لآلية إدخال المساعدات في ظل التعنت الروسي واستخدامه الدائم لحق النقض الفيتو ضد أي قرار من شانه توفير المساعدات العاجلة والملحة لملايين السوريين في مخيمات ومدن الشمال السوري، لم يكن من المتوقع أن يرضخ الأوربيين للضغوطات الروسية في الملف السوري وهذا ما يفهم منه في زيارة ستوينيسكو رئيس البعثة الاوربية لسوريا وتصريحاته وتصريحات رضا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية المتعلقة بالتركيز على التعافي المبكر والاستثمارات في محاولة لتجنب المزيد من التدهور ، والتي ستوفر حلول لإنعاش وتأهيل نظام الأسد واقعياً وربما حلفائه في المنطقة من ميليشيا حزب الله وايران وغيرها.