تجسد منطقة عفرين نموذجا مثاليا لدراسة األوضاع القانونية الخاصة باألفراد والمجتمع السوري ومعرفة المظالم والنزاعات التي واجهوها خالل فترة النزاع، نظرا الحتوائها على المهجرين من مختلف المناطق السورية وخضوعها لسيطرة مختلف أطراف النزاع، وعليه فقد قمنا بإجراء الدراسة الحالية بهدف الكشف عن أبرز المشاكل القانونية التي يعاني منها السوريون سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد المجتمع، وتحديد اآلثار السلبية لتلك المشاكل ومعرفة اآلليات والوسائل القانونية المتبعة في حلها، واقتراح الحلول المالئمة التي يمكن أن تساهم في معالجة
النزاعات القانونية أو التخفيف من وطأتها.
وقد أجريت الدراسة في شهر أذار من عام 2019، وقد غطت كامل منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، وشملت مختلف النواحي التابعة لها (مركز مدينة عفرين – جنديرس – بلبل – راجو – شران – معبطلي – شيخ الحديد)، وقد تمت الدراسة بمقابلة 197 شخص من الذكور واإلناث المقيمين ضمن منطقة عفرين وطرح مجموعة من األسئلة عليهم باستخدام استبيان مغلق، وقد روعي عند اختيار المشاركين في عملية جمع البيانات ضرورة
شموليتها لمختلف شرائح المجتمع وفق متغيرات الجنس والعمر وحالة اإلقامة واألصل العرقي والديني.
وقد خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج أبرزها على الصعيد الشخصي معاناة األفراد السوريين من انعدام الأمن وغياب الحماية والتعرض لالحتجاز بشكل تعسفي وإساءة معاملتهم من قبل القوى العسكرية الحكومية وغير الحكومية، إضافة إلى تعرض ممتلكات العديد منهم للدمار بشكل كلي أو جزئي نتيجة للعمليات العسكرية التي شهدتها مناطقهم، وعدم قدرتهم على االستفادة من الخدمات التي تقدمها المرافق العامة واستخدام البنى التحتية نتيجة لألضرار التي لحقت بها، وارتفاع معدالت الجريمة العادية كالسرقة والقتل والخطف في ظل ارتفاع
معدالت الفقر والبطالة وضعف األجهزة األمنية، وهي ذات المشاكل القانونية التي يتوقعون حدوثها مستقبال.
أما على صعيد المجتمع فتعد مشكلة المفقودين والمختفين قسريا من أخطر وأبرز المشاكل القانونية التي يعاني منها السوريون عموما على اختالف أطيافهم وخاصة في ظل غياب الحديث عن ملف المعتقلين في أروقة المؤتمرات المعنية بالحل السياسي وامتناع أطراف النزاع عن الكشف عن ظروف اعتقالهم أو مصيرهم، كما تظهر نتائج الدراسة أيضا معاناة المجتمع من انتشار ظاهرة الفساد ضمن الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية
وانتشار الجريمة ومعاناة المرأة من العنف والتمييز القائم على النوع االجتماعي وحرمانها من الحصول على حقوقها الرئيسية، إلى جانب المشاكل المتعلقة باألطفال كتجنيدهم في العمليات العسكرية وارتفاع أعداد األطفال ممن
يعيشون دون رعاية مناسبة.
وبناء على ما سبق فإن الدراسة توصي باتخاذ جملة من اإلجراءات والتدابير التي من شأنها التخفيف من حدة النزاعات والمشاكل القانونية التي يواجهها السوريون على الصعيد الشخصي أو على صعيد المجتمع، وفي مقدمتها العمل على حل مشكلة انتشار الجرائم وذلك من خالل القضاء على مشكلة البطالة وخلق فرص عمل لتشغيل السوريين والسعي إلى رفع كفاءة األجهزة األمنية من خالل توفير المعدات اللوجستية والتدريبات التي تجعلهم قادرين على التعامل مع ملف األمن، كما توصي الدراسة بتكثيف الجهود الرامية للكشف عن مصير المفقودين من خالل التواصل مع مختلف الهيئات المنظمات الحقوقية الدولية والضغط على مختلف أطراف النزاع للكشف عن أعداد ومصير المعتقلين لديهم، كما يجب أن يتم العمل على دعم قضايا المرأة من خالل دعم الهيئات والتجمعات النسائية المعنية بالدفاع عن حقوقها، إضافة إلى توفير الرعاية المالئمة لألطفال ممن فقدوا ذويهم خالل النزاع، هذا وال بد أيضا من تسهيل عملية وصول المواطنين السوريين للخدمات التي توفرها المرافق العامة من
خلال إطالق المشاريع التي تهدف إلى إعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة
لمتابعة قراءة البحث في الملف المرفق: