بدت كلمات وزراء خارجية دول جوار سورية في مؤتمر بروكسل حول “دعم مستقبل سورية والمنطقة” للمانحين، بنسخته الثامنة التي عُقدت يوم الاثنين الماضي، كأنها متناسقة وتصب في خانة الابتزاز السياسي ـ الإنساني، ومفادها “إما دفع المال، أو سنرحّل اللاجئين السوريين أو نتركهم لمصيرهم” في مواجهة الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون في دول الجوار، لاسيما في لبنان والأردن وتركيا.
وكان هذا الخطاب حاضراً بشكل رئيس في تركيا ولبنان، عند الحكومتين وحتى المعارضة في البلدين، ما أجج أشكال العنصرية ضد اللاجئين السوريين هناك. وغدا الخطاب ذاته حاضراً أخيراً عند حكومات العراق ومصر والأردن، وقد ظهرت نتائجه ببعض الأصوات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، لا سيما في العراق ومصر، ولو بحدة أقل مما هي عليه في لبنان وتركيا. وفي حين بات ملف اللاجئين السوريين سوقاً للمزايدات، فقد ضرب السفير المصري لدى الاتحاد الأوروبي بدر عبد العاطي، خلال كلمته في المؤتمر، الرقم المسجل في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين السوريين في مصر وهو نحو 150 ألف لاجئ، بعشرة أضعاف، حين قال إن بلاده تستضيف 1.5 مليون لاجئ سوري.
أما وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، فقال في المؤتمر، إن “200 ألف لاجئ سوري مسجلون بشكل رسمي في العراق وعدداً مماثلاً منهم غير مسجل”، مؤكداً ضرورة توفير الدعم المالي الدولي للاجئين السوريين لتأمين مستلزماتهم المعيشية والطبية والغذائية. من جهته، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: “يبدو أننا سنحصل على مبالغ أقل هذه السنة للاستجابة للاحتياجات، وهناك نقص في الغذاء والكهرباء في مخيمات السوريين”، مشدداً على أن “قلة الدعم ستحرم الأطفال السوريين من استكمال تعليمهم في المدارس الأردنية”، قائلا: “في حال استمرار الوضع وقلة الدعم سنفضل تعليم الأطفال الأردنيين على حساب الأطفال السوريين”. واعتبر الصفدي أن “المجتمع الدولي تخلى عن اللاجئين السوريين”، مشيراً إلى أن “1.3 مليون سوري يعيشون في الأردن، 10 في المائة منهم فقط يعيشون في المخيمات، ونقدّم تراخيص العمل لأكثر من 400 ألف سوري”.
ولم تنفصل كلمة وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب عما سبقها ولا عن خطاب الحكومة والمعارضة في بلاده، مشدداً على “عدم قدرة لبنان على تحمّل المزيد في ملف النزوح السوري”، مضيفاً: “من تتعذر عودته من النازحين السوريين لأسباب سياسية تجب إعادة توطينه في بلد ثالث”، موضحاً أنه “يجب على المجتمع الدولي وضع خطة زمنية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم”.
مخاوف من ترحيل اللاجئين السوريين
وكانت سبع منظمات حقوقية، دولية وإقليمية وسورية، قد حذرت في بيان لها منتصف الشهر الحالي من أن مئات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان يواجهون “خطر الترحيل المُحدِق”، مطالبة لبنان بوقف عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين وإلغاء “التدابير الظالمة غير المسبوقة التي أعلن عنها يوم 8 مايو/أيار”. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين زارت العاصمة اللبنانية بيروت بداية الشهر الحالي، وأعلنت عن حزمة مساعدات تبلغ قيمتها مليار يورو على أربع سنوات للبنان بهدف الحد من تدفّق اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن من ذلك الوقت ضاعفت السلطات اللبنانية من الضغوط المفروضة على السوريين المقيمين في لبنان لدفع المزيد من اللاجئين إلى مغادرة البلاد.
وكان رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة، حاضراً في بروكسل بالتزامن مع انعقاد المؤتمر، وعلى الرغم من أنه أعرب في حديث لـ”العربي الجديد” عن شكره للدول المانحة في مؤتمر بروكسل على استمرار دعمها للسوريين لتقليل آثار الأزمة الإنسانية التي يعيشها الملايين منهم في سورية ودول اللجوء، إلا أنه أشار إلى أن “حجم الوعود المعطاة قد انخفض عن الأعوام السابقة، كما أنها بعيدة جداً عن الوفاء بالحجم الحقيقي للاحتياجات الإنسانية”. ولفت إلى “تدني الالتزام بالوفاء بالتعهدات خلال الأعوام السابقة، إضافة إلى نسبة التضخم المرتفعة، وتغلغل دوائر الفساد في إدارة المساعدات لا سيما في مناطق النظام كما تشير الدراسات الموثقة الأخيرة، وكل ذلك ينذر بتفاقم المأساة الإنسانية في سورية إلى مستويات خطيرة، تهدد حياة الملايين”.
البحرة: المسببات الأساسية للأزمة الإنسانية في سورية أساسها سياسي، ولا يوجد حل إنساني قابل للاستدامة لها
وحول مسألة إعادة اللاجئين والحلول الدائمة، جدد البحرة التأكيد أن “المسببات الأساسية للأزمة الإنسانية في سورية أساسها سياسي، ولا يوجد حل إنساني قابل للاستدامة لها، والحل الوحيد القابل للاستدامة هو الحل السياسي القائم على القرارات الدولية، ولا سيما القرارين 2254 و2118”.
موقف الاتحاد الأوروبي لم يتغير
وتعهدت الجهات المشاركة في مؤتمر بروكسل الأخير بتقديم مساعدات مالية بقيمة 7.5 مليارات يورو، منها 5 مليارات على شكل منح، و2.5 على شكل قروض.
من جهته، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس بوينو، إنه “على الرغم من الأزمات الكثيرة في المنطقة وخارجها والتي يقدّم فيها الاتحاد الأوروبي خدمات إنسانية، إلا أن موقف الاتحاد من الأزمة السورية لم يتغير”، معتبراً أن رقم التعهدات المعلن عنه في النسخة الحالية من المؤتمر “ليس قليلاً”. ولفت في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أنه على الرغم من تراجع الدعم المقدّم من بعض المانحين، بسبب اهتمامهم بمناطق أزمات أخرى، يبقى الاتحاد الأوروبي من أبرز المانحين لسورية من خلال الأرقام التي خصّصتها المفوضية الأوروبية، سواء في هذه النسخة أو ما قبلها من المؤتمر، بالإضافة إلى تنظيم الاتحاد المؤتمر بشكل سنوي، مؤكداً أن الاتحاد سيستمر بدعمه للسوريين على الرغم من الصعوبات.
بوينو: موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة السورية لم يتغير، والتعهدات المعلنة في المؤتمر ليست قليلة
وحول مسألة تململ دول الجوار من أزمة اللجوء السوري، والحلول التي يمكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي في ظل تلويح تلك الدول بخيار ترحيل اللاجئين، قال بوينو: “الاتحاد يدرك الصعوبات التي تمر بها دول الجوار، وهناك جهود تبذلها تلك البلدان في استضافة 7 ملايين لاجئ، وندرك التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهذا الأمر”. وأكد أن “الاتحاد الأوروبي سيواصل مساعدة تلك الدول على كل المستويات”، لكن في الوقت نفسه ذكّر بكلام مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “بأننا نرفض السرديات التي تشير إلى أن اللاجئين هم أنفسهم المشكلة، والحقيقة أن اللاجئين هم ضحايا الصراع في سورية، ونتفق بذلك مع الأمم المتحدة بأن شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة ليست متوفرة حالياً”. وأكد أن “النظام السوري هو الذي يتحمّل هذه الظروف، والأزمة الإنسانية الحاصلة للاجئين”، لذلك “سنستمر في دعم دول الجوار، إلى جانب الحوار السياسي معهم على المستويات كافة”.
وحول إمكانية لجوء الاتحاد لعمليات إعادة توطين اللاجئين من دول الجوار إلى دوله، قال المتحدث الأوروبي إن “رئيسة المفوضية أشارت خلال زيارتها إلى لبنان لهذا الجانب”، موضحاً أن “المسؤول عن هذا الجانب هو مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وليس دول الاتحاد الأوروبي، لكن هناك اهتماماً من قبل المفوضية الأوروبية بهذا الموضوع لأنه جزء من الدعم المقدم لدول الجوار، وسيستمر الاتحاد الأوروبي بدعم عملية إعادة التوطين بموجب القانون الدولي، والقرارات التي تتخذها المؤسسات الدولية المعنية، لاسيما الأمم المتحدة”.
من جهته، أشار المدير التنفيذي لـ”رابطة السوريين الأحرار”، الحقوقي سامر ضيعي، إلى أنه مع عدم توفر ظروف العودة الآمنة للاجئين السوريين، ومطالب دول الجوار وتحديداً لبنان بإعادتهم، وإصرار الدول الغربية على أن تكون هذه العودة آمنة، فإن الحل يكمن في تبني نهج متعدد الجوانب. وأوضح في حديث لـ”العربي الجديد” أن ذلك يكون بتقديم “ضمانات أمنية دولية، من خلال إشراك الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام لضمان سلامة وأمان العائدين، وتنفيذ حل سياسي شامل، بالضغط الدولي المستمر على النظام السوري للامتثال لحل يضمن حقوق العائدين ويشمل رفعاً تدريجياً للعقوبات مقابل تقدّم ملموس في الحل السياسي، ينتج في النهاية تشكيل حكومة وطنية لا يكون على رأسها بشار الأسد ونظامه الأمني”. وأضاف أنه يجب أيضاً “تفعيل برامج إعادة التوطين في الدول الغربية لتوزيع العبء بشكل أكثر عدالة، وتخفيف العبء عن دول الجوار، وتقديم دعم مباشر للاجئين، بزيادة الدعم المالي والإنساني للاجئين في الدول المضيفة لتحسين ظروفهم المعيشية، وتوسيع برامج إعادة التوطين في الدول الغربية لتخفيف العبء على دول الجوار، وضمان مراقبة حقوق الإنسان بشكل مستمر في المناطق المحتملة لعودة اللاجئين، لضمان سلامتهم وكرامتهم، بالإضافة إلى إخراج ملف اللاجئين السوريين من البازار السياسي لدول التي تستضيف أعداد كبيرة والعمل على تنظيم الوضع القانوني للسوريين داخل هذه الدول، لبناء منهج إنساني حقوقي يهدف إلى إنهاء الأزمة الإنسانية للاجئين”.
ضيعي: لتقديم ضمانات أمنية دولية، من خلال إشراك الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام لضمان سلامة وأمان العائدين
ولفت ضيعي إلى أن “المشكلة الأكبر حالياً هي مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان، إذ يعاني البلد من ضغط كبير بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية المتعثرة، والأحداث الأمنية في جنوب لبنان”. وأضاف أن “هناك صراعاً سياسياً داخل الاتحاد الأوروبي، بين اليمين واليسار، حول كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين”، موضحاً أن أحزاب اليمين الأوروبي تدعم بشدة عودة وإعادة اللاجئين إلى سورية، بحجة أنها باتت آمنة، وترى أن ذلك سيخفف من الضغط على لبنان والدول الأوروبية، كما تدعو إلى التطبيع مع النظام السوري، جزءاً من حل الأزمة، ويدفع اليمين أيضاً باتجاه دعم وتمويل مشاريع الإنعاش المبكر في سورية. أما أحزاب اليسار الأوروبي، بحسب ضيعي، “فتركز على حقوق الإنسان وتشدد على أن العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة، وتطالب كذلك بزيادة الدعم المالي للبنان لتحسين ظروف اللاجئين والمجتمعات المضيفة، وتعارض أي إجراءات قسرية لإعادتهم، كما يدعم اليسار حلاً سياسياً مستداماً يقوم على القرار 2254”.
وأشار ضيعي المقيم في هولندا، إلى أن هناك مقترحات أوروبية لإيجاد حلول وسط لأزمة اللاجئين السوريين تتلخص بالتالي: دعم مالي مستدام، من خلال تقديم مساعدات مالية مباشرة للاجئين والمجتمعات المضيفة في لبنان، وتحسين البنية التحتية، بتمويل مشاريع لتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والإسكان، وإطلاق مبادرات لإعادة توطين بعض اللاجئين في دول أوروبية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة، والتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لضمان حماية اللاجئين ودعم عودتهم الطوعية عند توفر الظروف المناسبة. وأوضح أن “الصراعات السياسية داخل البرلمان الأوروبي، تُظهر انقساماً واضحاً بين هذه الاتجاهات، مما يعقّد الوصول إلى حل مشترك وفعّال لأزمة اللاجئين السوريين في دول الجوار، وتحديداً في لبنان”.
المصدر: موقع “العربي الجديد”