بيان حول زيارة البرلمانيين العرب الى الأسد
لم يكد السوريون يصحون من أهوال الزلزال المدمر الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا منذ أقل من شهر، حتى فوجئوا بحركةٍ سياسيةٍ مكثفة شملت العديد من الدول العربية تدعو للانفتاح على نظام الأسد بسيلٍ من التصريحات السياسية التي اتخذت غطاءً إنسانياً لها، ثم تكللت تلك التصريحات بزيارة وفد من رؤساء البرلمانات العرب الى دمشق ولقاءهم بشار الأسد في مشهدٍ درامي غريب يُظهر تناسيهم للفظائع التي ارتكبها نظام الأسد طيلة 12 عاماً بحق السوريين من اعتقالٍ وتعذيبٍ وحصارٍ للمدنيين الى قصفٍ بكل أنواع الأسلحة التي يملكها وجلب العشرات من المليشيا والجيوش لمساندته في معركته ضد السوريين، والسبب أنهم أرادوا الحرية والكرامة..
تناست تلك الدول المهرولة الى دمشق بأن الشخص الذي يعانقونه بسعادةٍ غامرة ويسمونه الرئيس السوري هو ذاته الذي يقود الحكومة التي تستمر بارتكاب الانتهاكات ضد السوريين، وهي ذاتها التي تستمر باعتقال وإخفاء عشرات الآلاف منهم وتقوم بتعذيبهم حتى اليوم وترفض الإفصاح عن أماكن تواجدهم أو مصيرهم، وهي ذاتها التي ارتكبت مئات الآلاف من الجرائم ضد الإنسانية على مرأى ومسمع العالم كله، وهي ذاتها التي أمعنت في الضغط على السوريين وإذلالهم ومنع الطعام والدواء عنهم عن طريق محاصرتهم ومن ثم تهجيرهم من بلداتهم ومدنهم دون أملف بالعودة إليها، وهي نفس الحكومة التي لاتزال تقصف المناطق الخارجة عن سيطرتها بشكل عشوائي موقعةً قتلى وجرحى مدنيين من ساكني المخيمات دون أدنى حس بالمسؤولية اتجاه الشعب السوري، وهي ذات الحكومة التي استخدمت وماتزال المساعدات الإنسانية كسلاحٍ ضد معارضتها فقط لأنها تختلف معها، وهي نفس الحكومة التي لم تعطِ أي ضمان للاجئين السوريين وتقوم باعتقال العائدين منهم وتخفيهم قسراً بل وتقوم بتعذيبهم حتى الموت رغم أن بعضهم عاد إليها مصالحاً بضماناتٍ من حليفها الروسي، ولا يوجد حتى اليوم سببٌ وجيه يدعو للاعتقاد بأن هذه الممارسات ستتوقف قريباً.
تناست تلك الدول الساعية الى تطبيع علاقاتها مع الحكومة السورية بــأنها لم تقم بمحاسبة أي من آلاف العناصر التابعين لها والذين ارتكبوا فظاعاتٍ لا يتحملها العقل وتقصدوا نشر جرائمهم بكل وقاحة وأظهروا وجوههم دون خوف أو وجل عبر آلاف مقاطع الفيديو التي شاهدها العالم كله، ولم تكتفِ بعدم محاسبتهم فقط، بل ومنحتهم حمايةً وكرمتهم في بعض الأحيان بأن سلمتهم مناصب أعلى من مناصبهم الحالية، ومع كل ذلك قامت العديد من الدول العربية وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والأردن بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد قبل تحقيق أي إصلاحٍ حقيقي أو إظهارها أي نية بهذا الصدد، والغريب في الأمر إعلان تركيا والسعودية كذلك نهجاً جديداً يقوم على إنهاء عزل سوريا رغم أن سوريا لم تتخذ أي تدابير جديدة تظهر حسن نواياها وعدم نيتها الانتقام من ملايين اللاجئين والنازحين الذين يقيمون خارج مناطق سيطرتها، ودون أن تقوم بأي خطواتٍ تتعلق بالإفراج عن المعتقلين السياسيين أو تكشف عن مصير عشرا آلاف المخفيين قسراً.
تناست تلك الدول أن عدم اتخاذ الحكومة السورية أي إصلاحٍ سياسي شامل لجميع السوريين أو إجراءها محاسبةٍ حقيقية للمسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات ضدهم وعدم تغيير القوانين التي تحميهم منذ 50 سنة، يعني من جهةٍ القبول بالعلاقة مع حكومة مارقة وإعادة تعويمها كجهةٍ دولية موثوقة، ومن جهة ثانية قد يعني تأييد تلك الممارسات والأفعال رغم مخالفتها القوانين والمعاهدات الدولية المتعارف عليها ونشر ثقافةٍ جديدة قائمةً على إفلات المجرمين من العقاب.