ملخص عن مواد القانون

وتضمنت المواد الواردة في مشروع القانون :

1- تعريف مفهوم جريمة التعذيب، وعدداً من العقوبات بحق مرتكبيها وجاء حسب نص المرسوم بما يتوافق مع الالتزامات الدستورية للدولة السورية التي تحرّم التعذيب ومع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب التي سبق وأن صادقت عليها الجمهورية العربية السورية

2- العقوبات في القانون تدرجت لتصل “إلى الإعدام إذا نجم عن التعذيب موت إنسان، أو تم الاعتداء عليه بالاغتصاب، أو الفحشاء أثناء التعذيب، في حين تكون العقوبة السجن المؤبد إذا وقع التعذيب على طفل، أو شخص ذي إعاقة، أو نتجت عنه عاهة دائمة”.

3- كما يعاقب القانون “بالسجن لمدة 8 سنوات على الأقل كل من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرض عليها سواء كانت للحصول على اعتراف أو تحقيقا لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام، وبالسجن عشر سنوات على الأقل لكل من ارتكب التعذيب بحق موظف بسبب ممارسته لمهامه”.

4- وينص القانون أيضا على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى، أو الإبلاغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والحفاظ على السريّة، وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم”.

التعذيب في التشريعات السورية و القانون الدولي

صورة تعبيرية للمعتقلين داخل سجون النزام

1- الدستور السوري : تضمنت الدساتير المتتالية في سوريا منعًا للتعذيب، وقد نصّت المادة 28 من دستور 1973 على حظر التعذيب جسديًا أو معنويًا وحظر المعاملة المهينة، كما نصت المادة 10 من دستور 2012 على ما يلي: “لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك”.

2- قانون العقوبات العام : ورد العقابُ على جريمة التعذيب في ؛ حيث نصت المادة 391 منه على الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، لمن سام شخصًا ضروبًا من الشدة لا يجيزها القانون، رغبة في الحصول على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها، وإذا

أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح؛ كان العقاب الحبس سنة. وهو نصّ لا يشمل سوى من يتولون التحقيق في جرائم، ولا يشمل بالطبع التعذيب الذي يتم خارج هذا النطاق

3- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : نص المادة /5/ لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة.

4- العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية : الذي ينص في المادة / 7/ لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، المادة /9 / لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. المادة 10. يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.

5- اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 المادة رقم /3/ المشتركة المتعلقة بالنزاع المسلح غير الدولي يؤكد على منع التعذيب المادة /75/ من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني في منه.

6- القانون الجنائي الدولي : اعتبرت المادة 7 ـــــ 1 من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية فعل التعذيب جريمةً ضد الإنسانية متى ارتكبت في هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم، كما اعتبرت المادة 8 منه التعذيب جريمة حرب، وبالخصوص إذا تم التعذيب في حالة النزاع المسلح غير الدولي، كانتهاك للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ولا يقتصر التعذيب هنا على العنف المادي بل إنه يشمل المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

7- اتفاقية مناهضة التعذيب : “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984 لتمنع التعذيب منعًا مطلقًا و قعت سوريا على المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب و أصدر رئيس النظام السوري مرسوما تشريعيا في عام 2004 يقضي “بانضمام سوريا الى اتفاقية مناهضة التعذيب ولكن المرسوم التشريعي نص على عدم اعتراف سوريا باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من الاتفاقية المذكورة التي تسمح للجنة بالقيام بالتفتيش في السجون بشكل مفاجئ ودوري للتأكد من عدم ممارسة التعذيب”.

التحليل القانوني لتطبيق قانون تجريم التعذيب

معرض لصور معتقلين في سجن صيدينا تم تسريبها وعرفت بصور قيصر

على الرغم أن النظام السوري أصدر قانون يجرم التعذيب و لكن يوجد مراسيم تعيق الملاحقة القضائية و القانونية وتطبيق و إنفاذ العقوبة بحق مرتكبي جرائم التعذيب خاصة من موظفي الدولة من الأجهزة الامنية ( المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية والمخابرات العامة ) ولم ينص القانون رقم / 16/ لعام 2022 على إلغائها صراحة حتى لا تكون نافذة و يوقف

العمل بها وهذه المراسيم هي :

1- المرسوم التشريعي رقم / 69 /لعام 2008 وبموجبه جرى تعديل قانون العقوبات العسكرية في سوريا، حيث نص مواد هذا المرسوم الجديد على حصر قرار ملاحقة عناصر الشرطة والأمن السياسي والجمارك المتهمين بممارسة التعذيب بالقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة رغم إنهم يتبعون إدارياً لوزارة الداخلية وليس للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة.

2- المرسوم التشريعي رقم / 14 / لعام 1969 قانون إحداث إدارة أمن الدولة المادة ( 16 ) : ( لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكلة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير )

3- المرسوم التشريعي رقم / 549 / لعام 1969 : قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة وقواعد خدمة العاملين فيها المادة ( 74 ) ( لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء، في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامه بها قبل إحالته على مجلس التأديب في الإدارة واستصدار أمر ملاحقة من قبل المدير ) وقد كان من الممكن إقامة دعاوى ضد عناصر الشرطة والأمن السياسي وعناصر الجمارك على الانتهاكات التي تتعلق بالتعذيب ” أثناء ممارستهم عملهم ” أمام المحاكم العادية، حيث تم إغلاق هذا الباب بموجب المرسوم رقم /69/ لعام 2008 .

لذلك يستوجب : أن يكون القانون الصادر ينص صراحة عن إلغاء كافة المراسيم و القوانين التي تعيق تطبيق أحكام هذا القانون

4- عدم اعتراف النظام السوري في المرسوم الذي اصدره بالانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من الاتفاقية على المادة /20/ من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تسمح للجنة بالقيام بالتفتيش في السجون بشكل مفاجئ ودوري للتأكد من عدم ممارسة التعذيب وقد صادقت سورية على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة بتاريخ 1/7/2004 وأصبحت الاتفاقية منذ ذلك الحين جزءاً من تشريعها الوطني، علماً بأنَّ مواد الاتفاقية المشار إليها أعلاه لا تتعارض مع مواد وأحكام الدستور. الجدير بالذكر أنَّ القانون الوطني قد نصَّ أنه وفي حال تعارض أي قانون وطني مع أحكام أيةِ معاهدةٍ دوليةٍ، تكون حكومة الجمهورية العربية السورية طرفاً فيها تكون الغلبة للمعاهدة الدولية. وقد قضى قرار محكمة التمييز رقم 23 لعام 1931 بأنه “ليس لقانون داخلي أن يضع قواعد مخالفة لأحكام معاهدة دولية سابقة له أو أن يغير ولو بصورة غير مباشرة في أحكام نفاذها”. كما نصَّت المادة 25 من القانون المدني السوري على عدم سريان أحكام المواد السابقة أو المخالفة لمعاهدة دولية نافذة في سورية. بالإضافةِ إلى أنَّ قانون أصول المحاكمات المدنية في سورية قد نصَّ في المادة 311 منه على

أنَّ العمل في القواعد المتقدمة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين سورية وغيرها من الدول في هذا الشأن فالقانون السوري أقر بمبدأ ترجيح تطبيق أحكام المعاهدة الدولية على القانون الداخلي عند وجود تعارض بينهما كإصدار قانون تجريم لتعذيب منقوص قانونا كون موجود هذا التجريم سواء بالاتفاقية

التي صادقت عليها النظام السوري أو بمواد الدستور و مواد قانون العقوبات السابق ذكرها

لذلك يستوجب : بدل من إصدار قانون يجرم التعذيب أن يصدر مرسوم تشريعي يلغي عدم اعتراف النظام السوري باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من الاتفاقية و أن يفتح السجون و المعتقلات و الأفرع الأمنية للجان الدولية لإجراء تفتيش دوري ومفاجئ عليها للتأكد من عدم ممارسة منهجية التعذيب التي أصبحت سلوك متأصل ضمن هذه المؤسسات الأمنية

ويستوجب أيضا :أن يوقع النظام السوري على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية إن كان يريد تحقيق العدالة للشعب السوري و يكون شفافا أمام المجتمع الدولي و تشكل لجان قضائية مشتركة دولية ووطنية لمحاسبة و محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب بحق الشعب السوري وفق تسلسل المسؤولية ومحاكمتهم عنها وفق القانون الوطني أو القانون الدولي كجريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وتطهير أجهزة الدولة من كلّ من ساهم فيها، إضافة إلى تحقيق العدالة لضحايا التعذيب من ناجين ومن ذوي القتلى تحت فعل التعذيب، والتعويض عليهم باسم الدولة السورية.

الخاتمة

1- مشكلة سورية ليست في عدم وجود قوانين بل في عدم احترامها من قبل النظام و أجهزته الأمنية فتوجد نصوص قانونية قبل هذا المرسوم تجرم التعذيب و لكن المشكلة تتجسد أصلًا في طبيعة تركيبة هذا النظام وطريقة إدارته لشؤون البلد وجميع مؤسساته و التي تتحكم أجهزته الأمنية بكل مفاصل الدولة و هي فوق المحاسبة و المسألة القانونية لذلك هذه السلطة المطلقة جاءت مفسدة لجميع هذه الاجهزة وجعلت سلوكها الوحيد هو العنف و الوحشية ولغة القوة الوسيلةً الوحيدةً لمخاطبة السوريين والتعامل معهم وجعلت من التعذيب أسلوبًا أساسيًا في العمل على تحطيم إرادة السوريين والسعي لجعلهم عبيداً لهذا النظام و منظومته الأمنية فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتقريرها الصادر لعام 2019 /72/ أسلوبا للتعذيب استعملها النظام السوري في سجونه لذلك وجود هذا النمط من الحكم ووقاحته بإصدار هذا القانون و قد أبدع في ابتكار وسائل التعذيب يؤكد بما لا يدع مجال للشك بانفصامه عن الواقع ولم يعد وجود هذا النظام مشكلة فحسب بل اصبح معضلة للسوريين لا مخرج منها سوى برحيل هذا النظام ومنظومته الامنية و محاكمة كافة مرتكبي هذه الجرائم بحق السوريين

2- قد يظن النظام بكذبه ووقاحته المعهودين أن إصدار مثل هذا المرسوم سوف يعفيه من المحاسبة حيث ان القانون سيكون درع حماية له أمام المجتمع الدولي بأنه أصدر ما يجرم التعذيب وهو لا يسمح بهذه الأفعال وأمام القضاء الوطني ان الجرم اصبح جنائي الوصف من تاريخ نفاذه متناسيا ما تم ذكره في الفقرة ثانيا أن التعذيب محرم دوليا بموجب اتفاقية حقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و سوف يحاسب مرتكبيه عن هذه الجرائم في حال الوصول لتسوية سياسية في سوريا وإنشاء سواء محاكم دولية أو محاكم مختلطة او حتى محاكم وطنية فلا يغير قانونا من الأمر شيء إصدار قانون وطني يؤكد قاعدة أمرة في القانون الدولي وسوف يطبق القانون على من ارتكب جرم التعذيب ولن يعطي هذا القانون مبررا للإفلات من المساءلة والعقاب

3-وحيث أنه تم الاتفاق دوليا بعدم اللجوء للحسم العسكري ولا يوجد حل سياسي يلوح بالأفق و خاصة مع التعقيدات و التجاذبات السياسية التي تشهدها المنطقة لذلك يجب العمل جديا من الدول الفاعلة في الملف السوري على تنفيذ القرار /2254/ لعام 2015 الصادر عن مجلس الأمن بتحقيق الانتقال السياسي الفعلي الذي سعى له السوريين منذ انتفاضتهم ضد هذا النظام ومنظومته التي حكمت سوريا لأكثر من 50 عاما بالحديد و النار وقدموا كل انواع التضحيات لتحقيق هذا الهدف فلا حل في سوريا دون تحقيق هذا البند بالتوافق على دستور يمثل السوريين جميعا تكون مبادئ حقوق الإنسان جزءًا أصيلًا منه تحترم وتصان فيه حرية و كرامة المواطن السوري و تلغى كافة النصوص التي تعطي تحكم السلطة التنفيذية بالقرار في الدولة و تصادر صلاحيات السلطة التشريعية و القضائية و تحقيق العدالة الانتقالية التي من دورها إصلاح المؤسّسات الأمنية و العسكرية بحيث يكون ولائها للشعب السوري وحده و إجراء الملاحقات القضائيّة وتشكيل لجان الحقيقة تحقيق المحاسبة العادلة والتّعويض عن الضّحايا باسم الدولة السورية المنتخبة شرعيا التي تمثل الإرادة الحقيقة للسوريين و التي تشكل العقد الاجتماعي الذي سوف يتوافق عليه السوريين لبناء سورية المستقبل لكل السوريين و تحقيق السلام الدائم