لا يزال السوريون يعانون من تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا الشهر الفائت وما نتج عنه من دمار وتشريد لآلاف الأسر وخساراتهم لبيوتهم وممتلكاتهم وما رافقه من تلكؤ من الأمم المتحدة في تقديم المساعدة الطارئة و التي تسبب بوفاة الكثير من العالقين تحت الأنقاض، ليقوم برنامج الأغذية العالمي للمرة السادسة منذ العام 2020 بتخفيض محتويات السلة الغذائية المقدمة للنازحين السوريين في سوريا بمن فيهم المتواجدون في شمال غربها حيث اضطر 948 ألف شخص على ترك منازلهم في أكبر موجة نزوح منذ شهر ديسمبر من العام الماضي.
يدخل التخفيض على محتويات السلة الغذائية حيز التنفيذ مطلع الشهر القادم ويبرر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة خطة التخفيض ليصار إلى زيادة عدد المستفيدين، وهو الأمر غير المفهوم بدل من زيادة الحصص الغذائية خاصة بعد كارثة الزلزال وفقدان الآلاف لمصادر دخلهم.
رغم أن ديفيد بيزلي مدير برنامج الغذاء العالمي قال: في بيان سابق لشبكة CNN، إن البرنامج يدعو إلى فتح المزيد من المعابر إلى الأراضي السورية المتضررة من الزلزال المدمر، لتجديد إمدادات المساعدات التي استنفدت.
وعلى المستوى الأكبر، لا يزال البرنامج بحاجة إلى 700 مليون دولار لإطعام ما يقرب من 6 ملايين شخص في سوريا. وأضاف بيزلي: “شمال غرب سوريا كارثة فوق كارثة”. وأوضح: “الآن، في منتصف الشتاء، نزح الكثيرون مرة أخرى وينامون في الخيام وأي مأوى يمكنهم العثور عليه يتمتع بخدمات محدودة للغاية”.
ورغم هذه التصريحات إلا أن الخطط تبدو أنها تسير بالمسار المعاكس، فبالرغم من زيادة الاحتياجات ارتأى البرنامج أن يقوم بتخفيض محتوى السلل الغذائية بدل من أن يقوم بزيادتها.
يقدر برنامج الأغذية العالمي أنّ 12.1 مليون سوري يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي بزيادة 51 في المئة عن 2019. ويشكل هذا الرقم أكثر من نصف عدد السكان.
لقد تسببت الارتفاعات القياسية في أسعار المواد الغذائية، وأزمة الوقود، واستمرار التضخم، والنزاع المستمر في بعض أجزاء البلاد، والأحوال الجوية السيئة، والحرب في أوكرانيا في أوائل عام 2022، في خسائر فادحة بين الفئات الأشد ضعفًا واحتياجًا في سوريا.
ويقدم البرنامج مساعدات غذائية إلى 5.6 مليون شخص في سوريا كل شهر وتوفر هذه المساعدة الدعم للأسر من خلال الحصص الغذائية أو القسائم النقدية، وتوفر لأطفال المدارس في جميع أنحاء البلاد وجبات خفيفة صحية، كما تعمل على الوقاية والعلاج من سوء التغذية بين الأمهات والأطفال.
يشكل هذا الإجراء انتهاك لحقوق الإنسان يتمثل في المساهمة في زيادة تدهور الظروف المعيشية للنازحين ومخالف لمبادئ حقوق الإنسان فالحق في الغذاء مكفول بموجب عدد من المعاهدات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان. تضمن المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للجميع الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الغذاء. وبالمثل،
تضمن المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في الغذاء كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي لائق. كما أن المادة 24 جزء 2 من اتفاقية حقوق الطفل تلزِم الدول باتخاذ التدابير المناسبة لمكافحة الأمراض وسوء التغذية لدى الأطفال، بما في ذلك توفير الطعام المغذي.
حيث ينص المبدأ 18 من المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي على أن الدول يجب أن تضمن في جميع الأوقات، بغض النظر عن الظروف، حصول النازحين داخلياً على الغذاء الأساسي ومياه الشرب.
لذلك من الواجب على برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن يراعي ما ورد في المواد السابقة كون هذه الشروط هي المعايير الدولية التي تفرضها الأمم المتحدة على الدول بموجب عدد من المعاهدات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان ويجب أن تراعي هذه المعايير في تأمين احتياجات النازحين ليحقق لهم مستوى معيشي لائق، لا المساهمة في زيادة وضعهم سوءاً، بتأخير إيصال المساعدات أو تقديمها عبر نظام الأسد أو حتى تخفيض الحصص لمستوى لا يلبي أدنى الاحتياجات الفردية من الغذاء.
وكان بالأحرى ببرنامج الغذاء العالمي بدل من تخفيض حصص المساعدات تحت حجج انخفاض الدعم والتمويل أن يقوم بإحداث آليات لمراقبة برامج توزيع المساعدات في مناطق سيطرة النظام وما يقوم به النظام من سرقة لهذه المساعدات وتوزيعها على أجهزته الأمنية وميليشياته الحليفة، وأشرنا سابقا في عدة تقارير على موقع الرابطة يتناول موضوع استفادة نظام الأسد من ملف المساعدات في التمويل والتعويم السياسي، كما ورد في تقرير ” كيف تدعم منظمات الأمم المتحدة آلة القمع الأسدية” كيف تدعم منظمات الأمم المتحدة آلة القمع الأسدية ” تحدثنا فيه عن ” إن نهج المنظمات الدولية والوكالات الإغاثية في استمرار العمل على أمل أن تصل المساعدات الإنسانية للمستفيدين الحقيقيين وفق مبدأ القليل أفضل من لا شيء لا يعطي حلول إيجابية ولا يغني من جوع في ظل سيطرة نظام الأسد على عملها وفرضه القيود التي تخلق فائدة جمة له غير متناسبة مع نهج وطريقة عمل المنظمات والوكالات الإغاثية، فعلى عكس طبيعة إنشائها والهدف منه أصبحت المنظمات الدولية اليوم والمحلية المعنية بالمجتمع المدني و توفير الرعاية الطبية و الغذائية و الخدمية للمتضررين من الحرب شريكاً غير مباشر لنظام الأسد في تعزيز انتهاكات حقوق الإنسان وكأن المجتمع الدولي يقوم بمكافأة الأسد بدل أن يعاقبه”
وأشرنا في تقرير سابق بعنوان ” المساعدات الإنسانية والعقوبات استغلال النظام السوري لمأساة السوريين لأغراض سياسية” المساعدات الإنسانية والعقوبات استغلال النظام السوري لمأساة السوريين لأغراض سياسية“على قيام نظام الأسد بابتزاز المجتمع الدولي لحصر تقديم المساعدات عبره، الأمر الذي سيكون من نتائجه إدخال الفتات إلى مناطق الشمال السوري.
وبالتالي التخبط في سياسة التوزيع للمساعدات الغذائية عبر هيئات ومنظمات الأمم المتحدة وعدم إيجاد نظام رقابة فعال عل توزيع المساعدات وعدم انتهاج سياسة واضحة قائمة على التخطيط المسبق والعشوائية المتبعة في في اختيار المواد المراد تخفيضها من السلل الغذائية بدلا من زيادة الدعم الواجب تقديمه في ظل الوضع الاقتصادي المتردي إضافة إلى عدم امتثال الأمم المتحدة لمعايير الرقابة و تقيم المخاطر سيؤدي الى عدم التوزيع العادل للمساعدات الأساسية ، وبالتالي الى مجاعة غير مسبوقة في المنطقة تضاف الى الكوارث التي يعانيها النازحون السوريين ،و بالتالي فإن كل المبررات التي تقدمها الأمم المتحدة أو برنامج الأغذية العالمي عن وجوب تخفيض حصص المساعدات لا يعفها من المسؤولية بكل الأحوال عما سيؤول إليه الأمر في زيادة معاناة المدنيين في تأمين احتياجاتهم الأساسية من غذاء ودواء.