تشير التقارير والإحصائيات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية إلى وجود أعداد هائلة من السوريين ممن اضطروا لترك مناطقهم الأصلية والنزوح داخلياً أو اللجوء إلى دول أخرى، إذ يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان أعداد النازحين داخلياً ب 6,6 مليون نسمة أما اللاجئين فقد بلغ عددهم 5,6 مليون يتوزع معظمهم في دول الجوار وبخاصة تركيا التي تأوي على أراضيها ما بين ثلاثة ملايين ونصف وأربعة ملايين لاجئ، ويعاني السوريون المقيمون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام داخل سوريا سواء أكانوا من النازحين أم من أبناء المجتمع المضيف العديد من الصعوبات المتعلقة بعدم قدرتهم على الوصول إلى دوائر الدولة الرسمية لاستخراج ما يحتاجونه من وثائق وأوراق ثبوتية أو تسجيل ما يطرأ من تغييرات على أحوالهم الشخصية كعقود الزواج والطلاق وذلك بسبب قيام النظام السوري بإغلاق مختلف الدوائر الرسمية في المناطق الخارجة عن سيطرته، وبالمثل فإن اللاجئين أيضاً يواجهون العديد من التحديات وخاصة في ظل قيام العديد من الدول بإغلاق البعثات الدبلوماسية التابعة للنظام السوري على أراضيها واشتراط ما تبقى من تلك البعثات العديد من الوثائق التي لا يمكن للاجئين استخراجها لاستكمال الإجراءات المطلوبة لتثبيت عقود ومعاملات الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق، ومما لا شك فيه فإن تلك الصعوبات تزداد بدرجة أكبر بالنسبة للفئات الأشد ضعفاً وبالأخص النساء المطلقات.
وعليه ونظراً لأهمية تثبيت عقود الزواج والطلاق وما يترتب على عدم تسجيلها لدى السطات الرسمية من مشاكل وصعوبات قانونية وضياع حقوق الزوجة والأطفال، فقد قمنا بإجراء الدراسة الحالية والتي تهدف إلى بحث واقع النساء المطلقات المقيمات في تركيا ومعرفة نسب عقود الزواج والطلاق المسجلة لدى السلطات الرسمية وتحديد أبرز الوسائل والإجراءات المتبعة لتسجيل عقود الزواج والطلاق والأثار السلبية المترتبة على عدم تسجيلها على كل من الزوجة والأطفال، كما تهدف الدراسة للكشف عن الصعوبات والتحديات التي تعاني منها النساء المطلقات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
وقد تم إجراء الدراسة خلال شهر كانون الأول من عام 2019 وغطت ثلاث ولايات في تركيا وهي غازي عينتاب وأنطاكيا وماردين وهي ولايات تضم أعداد مرتفعة من اللاجئين السوريين، وقد تم خلال الدراسة مقابلة 3 خبراء من المحامين السوريين المقيمين في سوريا للاطلاع على أحكام عقود الزواج والطلاق المنصوص عليها في القانون السوري والاستفادة من خبراتهم وتجربة عملهم في تركيا واطلاعهم على العديد من الحالات للنساء المطلقات المقيمات في تركيا، كما تمت مقابلة محامي تركي للوقوف على الأحكام المنصوص عليها في القانون التركي، كما تمت مقابلة 16 امرأة من النساء السوريات المطلقات المقيمات في مناطق الدراسة وذلك باستخدام دليل مقابلة معمقة يضم أسئلة مغلقة ومفتوحة للوقوف بشكل دقيق على تجاربهن الشخصية وما يواجهنه من صعوبات على مختلف الأصعدة، هذا وقد واجهت الدراسة بعض الصعوبات والتي تتمثل أساساً برفض العديد من النساء المطلقات من المشاركة في الدراسة بسبب عدم إدراكهن بأهمية الدراسة وما سيصدر عنها من نتائج إضافة إلى الخشية من تعرضهن للمضايقات في حال مشاركتهن علماً أنه تم إبلاغهن بأنه لن يتم ذكر أسمائهن أو الإشارة لهن.
وقد أظهرت الدراسة وجود العديد من العوائق التي تحول دون قدرة النساء المطلقات على تسجيل عقود الزواج والطلاق الخاصة بهن لدى السلطات السورية أو التركية، وتتمثل أبرز تلك العوائق بعدم قدرة النساء المطلقات على تحمل التكاليف المرتفعة لتثبيت تلك العقود في ظل ضعف الحالة المادية للغالبية العظمى من النساء وعدم وجود هيئات أو مؤسسات حقوقية تعنى بالدفاع عن قضايا المرأة وتقديم المساعدة والمشورة القانونية للنساء، إضافة إلى صعوبة تأمين الوثائق والأوراق الرسمية المطلوبة من قبل القنصلية السورية في إسطنبول أو من قبل الحكومة التركية لتسجيل حالات الزواج والطلاق إذ أن السلطات التركية لا تعترف سوى بالوثائق الصادرة عن النظام السوري، هذا وقد أظهرت الدراسة وجود انخفاض في درجة الوعي لدى النساء بحقوقهن وبما يجب اتخاذه من خطوات للمطالبة بتثبيت حالات الزواج والطلاق، أما على الصعيد الاقتصادي فتواجه النساء المطلقات صعوبة في الحصول على فرصة عمل بسبب عدم امتلاكهن الخبرات والمؤهلات العلمية والعملية اللازمة، وعلى الصعيد الاجتماعي تعاني النساء من نظرة المجتمع السلبية والموروث الخاطئ من العادات والتقاليد والتي تلقي باللوم على المرأة وتحملها مسؤولية الانفصال.
وبناء على ما سبق فإننا نوصي بزيادة الدعم المقدم للهيئات والمنظمات الحقوقية التي تعنى بقضايا المرأة ومساعدتها على متابعة إجراءات تثبيت عقود الزواج والطلاق من خلال توفير المشورات القانونية لها، وتأهيل كوادر من المحامين السوريين وإخضاعهم لدورات تدريبية حول أحكام الزواج والطلاق المنصوص عليها في القانون التركي ليتمكنوا من تمثيل النساء المطلقات ، إضافة إلى ضرورة العمل على رفع درجة الوعي لدى المرأة بحقوقها والخطوات التي يجب عليها اتباعها، من خلال تكثيف جلسات التوعية وتقديم الدعم النفسي لها، واستهداف المجتمع عموماً والأهل خصوصاً بجلسات توعية لتصحيح المفاهيم المجتمعية الخاطئة المنتشرة، كما يجب العمل على تمكين النساء من دخول سوق العمل من خلال استهدافهن بالدورات التدريبية وبرامج التأهيل المهني ودعم برامج المشاريع الصغيرة التي تستهدف النساء المطلقات.
لقراءة التقرير كاملاً: