نشرت وكالة الأناضول تقرير عدم سداد الأقساط”.. ذريعة نظام الأسد لمصادرة مساكن المهجّرين تطرق التقرير إلى مصادرة النظام السوري مؤخرا، آلاف الشقق السكنية العائدة لمهجرين ونازحين ولاجئين، بدعوى عدم استكمال الأقساط المستحقة عليهم لصالح الدائنين. وحسب الوكالة أن الشقق التي صادرها النظام تقع ضمن مجمعات سكنية كبيرة، في عدد من المدن السورية وأبرزها حلب ودمشق وأن النظام بدأ ببيع تلك الشقق بعد نزع ملكيتها عن أصحابها، الذين لم يستكملوا أقساطها بعد أن اضطروا إلى مغادرتها جراء الحرب.
في هذه الدراسة القانونية سوف نناقش مشروعية وقانونية هذا التصرف من قبل النظام السوري و الخطوات التي سبقت هذه المصادرة و الهدف من المصادرة
( [1] ) : تقرير وكالة الأنااضول : “عدم سداد الأقساط”.. ذريعة نظام الأسد لمصادرة مساكن المهجّرين
الاتحاد التعاوني السكني في سورية
تأسس الاتحاد العام للتعاون السكني في سورية عام 1961 و بدأت الجمعيات التعاونية السكنية عملها بعد تأسيسه و كان الهدف منها إيجاد حلول للسكن للمواطنين السوريين من صغار الكسبة وموظفين وعمال وبسعر التكلفة وضمن الإطار التعاوني عن طريق تشييد المساكن ومستلزماتها وتمليكها لأعضائها المكتتبين و بالتالي المساهمة في دعم وتنفيذ خطة الدولة في مجال الإسكان والإعمار
ويصل عدد الجمعيات في سورية إلى إلى /2533/ جمعية موزعة على /14/ محافظة وتأتي حلب في الصدارة في عدد الجمعيات حيث تضم /506/ جمعيات، تليها دمشق /420/ جمعية، ثم ريف دمشق /325/ جمعية، واللاذقية /227/ جمعية، وحمص /192/ جمعية، وطرطوس /134/ جمعية، وإدلب /132/ جمعية، وحماة /131/ جمعية، والحسكة /123/ جمعية، والرقة
/122/ جمعية، وبقية الجمعيات موزعة على المحافظات السورية بحسب الإحصائيات الصادرة عن الاتحاد السكني.بحسب بيان صادر مؤخراً عن الاتحاد.
نظم المشرع السوري عمل الجمعيات وأدائها بقانون الجمعيات التعاونية السكنية رقم 13 لعام 1981 متضمن 53 مادة ثم تعديله بقانون تنظيم التعاون السكني رقم 17 لعام 2007 متضمن 75 مادة الذي عدل بالمرسوم التشريعي 99 لعام 2011 تضمن بـ 75 مادة وأجريت تعديلات عليه في المرسوم التشريعي 36 لعام 2014 تضمن 4 مود تضبط موضوع التنازل وذلك بما يخص الفقرة 9 من المادة 35 من المرسوم رقم 99 لعام 2011
ثم أصدر النظام السوري القانون رقم 37 لعام 2019 والذي بموجبه ألغى الاتحاد التعاوني السكني و الاتحادات التعاونية السكنية في المحافظات و ان تحل وزارة الأشغال العامة والإسكان محل الاتحاد العام للتعاون السكني و تؤول الأموال المنقولة و الغير منقولة كافة للوزارة.
المشروعية القانونية لحل الاتحاد التعاوني السكني و الهدف منه
برر النظام السوري إصدار القانون رقم 37 لعام 2019 المتضمن حل الاتحاد التعاوني السكني بهدف إصلاح قطاع التعاون السكني ولكن عند مناقشة فقرات هذا القانون فهو يتفقد للشرعية القانونية و ذلك للأسباب التالية :
- يعد هذا القانون مخالف للدستور السوري المادة 15 التي تنص على منع المصادرة في الأموال وصيانة الملكية الخاصة الجماعية كون نقل أموال الاتحاد التعاوني السكني إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان تعد مصادرة للأموال الجماعية المملوكة ملكية تعاونية جماعية فتعد أموال الجمعيات التعاونية السكنية المنقولة وغير المنقولة مملوكة لها ملكية تعاونية بصفتها الاعتبارية، وهي غير قابلة للتوزيع ولا يجوز أن يسترد عضو الجمعية عند انقضاء عضويته أو تصفية الجمعية أكثر مما دفعه ولا يجوزلأي جهة التصرف بأموال الجمعية خلافاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم 99 لعام 2011 ولا تخضع مقاسم جهات قطاع التعاون السكني للاستملاك باستثناء المشروعات الحيوية ولقاء تعويض عادل حسب المادة رقم 6 فقرة ب من المرسوم رقم 99 لعام 2011 وبناءً على ذلك هذا يعد تناقض مع مبدأ وحدة التشريع
- إن سيطرة الوزارة على أموال أعضاء الاتحاد التعاوني السكني وذهابها إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان يعد مخالف للقانون و الدستور لأن الوزارة ليست وريثاً شرعياً ولا قانونياً للاتحاد العام والاتحادات في المحافظات وهي لا تمثل الحركة التعاونية السكنية وإنما خولها القانون حق الرقابة الإدارية فقط، وفقاً لمبادئ التعاون وأهم هذه المبادئ ديمقراطية الحركة التعاونية وانتخاب قيادتها والإدارة الذاتية للحركة التعاونية لا الإدارة الحكومية لها مما يعني قيام وزارة الإسكان بمصادرة هذه الأملاك الجماعية للحركة التعاونية خلافاً لأحكام المادة رقم 15 من الدستور.
هدف النظام من إلغاء الإتحاد التعاوني السكني
السيطرة على أموال هذا القطاع الذي تفوق ميزانيته المليارات فبعد قيام النزاع في سورية و قيام النظام السوري برهن مقدرات البلاد الاقتصادية للروس و الإيرانيين لاستمرار تمويل حربه ضد الشعب السوري ومع طول أمد النزاع وفرض العقوبات الاقتصادية عليه دخل النظام السوري بدوامة الانهيار الاقتصادي سعى النظام السوري إلى للسيطرة على أموال السوريين و تعتبر قطاع العقارات من اهم أهداف النظام لثمنها المرتفع والنظام ينظر للأفق البعيد لما بعد الحرب ويستعد ليقطف ثمار حربه بالاستثمار في هذا القطاع المربح ( قطاع العقارات ومشاريع إعادة الإعمار ( فقد صرح الاتحاد التعاوني السكني أن عن مجموع مدفوعات الأعضاء في كل الجمعيات السكنية التابعة للاتحاد التي بلغت 197 مليار ليرة سورية، لا تشمل جمعيات إدلب والرقة ودير الزور. وذكر بيان له حول واقع حركة التعاون السكني في سورية نشرته صحيفة الوطن [1] الموالية للنظام أن مدفوعات أعضاء جمعيات محافظة حلب كانت الأكبر، إذ بلغت 65.3 مليار ليرة، ثم ريف دمشق 41.4 مليار ليرة، وبعدها حمص بنحو 37 مليار ليرة، وسجلت مدفوعات أعضائه في باقي المحافظات أرقاماً من 14 مليار وما دون وصولاً إلى مليار ليرة. وكشف الاتحاد عن مبلغ 36.4 مليار ليرة، يشكل قيمة الأراضي المشتراة من الجمعيات السكنية ولم يتم المباشرة بإشادة البناء عليها، واستحوذت دمشق على المبلغ الأكبر بقيمة 25.6 مليار ليرة، ثم ريف دمشق بقيمة 6.3 مليارات ليرة، وحلب نحو 1.2 مليار، ومثلها في اللاذقية، وبمبالغ أقل في باقي المحافظات.
في حين بلغ مجموع المشروعات الإنشائية المنفذة من الجمعيات 202.5 مليار ليرة، ودفع أكثر هذه المبالغ على المشاريع السكنية في حلب إذ بلغت قيمتها 62.8 مليار ليرة، ثم بدمشق وقيمتها 55.8 مليار ليرة، ثم في ريف دمشق وقيمتها 29.3 مليار ليرة، و16.7 مليار في حمص، و13.2 مليار ليرة في اللاذقية، و4.5 مليارات ليرة في كل من حماة والحسكة.
قطاع التعاون السكني مستهدف منذ فترة طويلة من شركات التطوير العقاري المقرية من النظام السوري ما جعل النظام السوري يتبع سياسية التضيق على هذا القطاع بأساليب تقيد نشاطات هذا القطاع فقد نشرت صحيفة الوطن الموالية للنظام السوري وقائع مؤتمر الاتحاد التعاوني السكني بتاريخ 6/8/2019 فوجهت الاتهامات للمصرف العقاري السوري إلى حرمان الجمعيات السكنية من فوائد عن إيداع الأموال لدى المصرف فقد كشف رئيس الاتحاد العام للتعاون السكني زياد سكري عن وجود أكثر من 64 مليار ليرة سورية مودعة للجمعيات التعاونية السكنية لدى المصرف العقاري من دون أن تحصل هذه الجمعيات على فوائد عن إيداع هذه الأموال لدى المصرف بسبب السياسة التي تتبعها إدارته والتي لم تشارك في فعاليات مجالس التعاون السكني منذ عدة سنوات، علماً بأن هذه الأموال تشكل الرافد الكبير لسيولة المصرف و عمد لنظام السوري لوضع عراقيل تعيق عمل الجمعيات السكنية و قد طرح ممثلو التعاون السكني في المحافظات عن بعضها في مؤتمر التعاون السكني و التي تمثلت بموضوع الإعفاء من رسوم تجديد رخص البناء للمشاريع المتوقفة وإيجاد حل للحصول على الموافقة الأمنية للتنازلات المتعددة عن المساكن الواحدة بالإضافة حالات الفساد في مجلس المدينة والتي تؤدي لعرقلة العمل وحرمان جمعيات من المقاسم التي اشترتها من البلدية نتيجة التدليس مع أصحاب الأراضي لإعادة الحصول على قرارات قضائية بإعادتها و عدم تسليم الجمعيات الأراضي منذ عام 1996 ووصف تقرير مجلس التعاون السكني العلاقة مع المصرف العقاري بغير المتوازنة في ظل بيئة غير صحية تضمنت إجراءات مجحفة بحقوق الجمعيات أبرزها توقف المصرف عن منح القروض وعدم منح الجمعيات أي فائدة على الحساب الجاري وتعرض الجمعيات لخسائر كبيرة جراء الإيداع الجاري وفرض شروط تعجيزية لحسابات الادخار إضافة إلى صعوبات أخرى مختلفة هذه الإجراءات كلها ساهمت في تقيد عمل الجمعيات التي كان لها نشاط و دور هام في تأمين السكن لكثير من السوريين و لكن هدف النظام بالسيطرة على هذا القطاع لتحويله لشركات التطوير العقاري جعله يتوغل في تقيد عملها حتى اصدر أخير القانون رقم 37 لعام 2019 الذي يلغي عملها و ينقل كافة اموال هذه الجمعيات إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان
مصادرة مساكن المتخصصين من النازحين و المهجرين.. مخالفةللقانون الوطني والدولي وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
إن قيام النظام السوري بإلغاء الاتحاد التعاوني السكني كان الخطوة الأولى في مصادرة مساكن المهجرين و النازحين فبعد سيطرته على المليارات من أموال هذه الجمعيات التي تعود لودائع السوريين قام بذريعة عدم تسديد باقي الاقساط المترتبة عليهم من التخصص في هذه الشقق ببيع هذه العقارات لمستفيدين اخرين مستندا إلى المرسوم رقم 99 لعام 2011 الخاص بالتعاون السكني، كان قد نص أنه إذا تأخر العضو المكتتب أو المخصص بمسكن أو الذي استلم مسكناً من الجمعية عن تسديد التزاماته المالية يتم إنذاره وفي حال عدم الاستجابة يلغى التخصيص ويلغى التسجيل في السجل العقاري أو السجل المؤقت بناء على قرار من مجلس الإدارة ويتم إخلاء المسكن بواسطة دائرة التنفيذ. وأضاف المرسوم أن من ألغي تخصيصه يحتفظ بحقه في الاكتتاب والتخصيص في المشاريع المقبلة أو في المساكن الشاغرة.
و لكن ما تغافل عنه النظام هو أنه الغى الاتحاد التعاوني السكني و بالتالي لا مفعول قانوني للمرسوم 99 لعام 2011 الذي بموجبه تتم المصادرة القانونية بالإضافة إلى أنه غياب المعيار القانوني الواضح الذي يحدد مدة التأخير عن سداد الأقساط فلا يوجد نص قانوني يضع المدة القانونية الواجب أتباعها للبدء بالإجراءات القانونية عند تأخير المتخصص في سداد الأقساط ناهيك ان هل هذه المدة تسري في ظل الظروف القاهرة و هي الحرب و نزوح و تهجير ملايين السوريين بسبب الحرب و كيفية توجيه الإنذار القانوني للمتخلف هذه كلها اسئلة مشروعة يجب أن تتوافر الإجابة عنها لتكون حالة المصادرة لهذه لمساكن شرعية و فق الدستور و القانون السوري
إن القرار رقم 315 تاريخ 13/3/2016 الصادر القائد العام للجيش و القوات المسلحة أعتبر أراضي الجمهورية العربية السورية مناطق عمليات حربية منذ تاريخ 15/3/2011 و حيث ان الحرب تعتبر حادثا استثنائيا عاما في مجال اعمال احكام نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها في الفقرة (2) من المادة (148) من القانون المدني وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي المقارن. و إن قیام حالة الحرب یعتبر من قبیل القوة القاهرة التي توقف سریان المواعید وخاصة بالنسبة لسكان مناطق الجبهة. طالما أن القوة القاهرة ما ازلت قائمة فإن القوة القاهرة توقف المدد و المهل لذلك فإن اي إجراء قانوني بحق للمتخلفين عن تسديد الأقساط من النازحين و المهجرين يفتقد للشرعية القانونية كون الظروف مازالت قائمة
إن مصادرة هذه المساكن من قبل النظام السوري يعتبر تجريد ونزع ملكية السوريين و هذا مخالف لنص المادة /15/ من الدستور السوري و التي نصت على أنه “لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي”. و مخالف لنص المواد 768 و 771 من القانون المدني السوري لا يجوز أن يحرم أحد ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها. ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل. و يشكل خرقا لنصوص القانون الدولي : المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصت على أنه “لكل شخص الحق في التملك سواء وحده أو مع آخرين ولا يجوز حرمان أحد من ملكيته تعسفاً”.و تشكل انتهاكاً للاتفاقيات الدولية التي ورد فيها النص على حماية حق الملكية ويحظر القانون الدولي العرفي النهب وفقاً للقاعدة 52 والقاعدة 111 من القانون الجنائي الدولي كما أنه أمر محظور في النزاعات المسلحة غير الدولية بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين ويشكل انتهاك النظام السوري المبدأ 21 من المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي وهو ينطوي على عواقب خطيرة على الضحايا ومن ثم فإنه يرقى إلى أن يكون انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني
– الإجراءات التي يطبقها النظام على أملاك الغائبين والمهجرين قسرياً تعتبر انتهاكاً صارخاً يمكن أن يرقى إلى مستوى جرائم الحرب خاصة بعد أن لجأت حكومة النظام السوري إلى تبنى هذه الإجراءات بشكل رسمي من خلال الاستيلاء على مدخرات و اموال السوريين بإلغاء الإتحاد التعاوني السكني و نقل أمواله لوزارة الأشغال والإسكان و من ثم مصادرة شقق المتخصصين رغم تسديدهم لجزء من الأقساط دون تعويضهم عما سددوه وإتباعها إجراءات غير قانونية في هذه المصادرة
عملية الاستيلاء على ممتلكات مئات آلاف المعارضين للنظام السوري ترسِّخ عملية الإخلاء والتشريد القسري وهي محاولة لهندسة التركيبة السكانية والاجتماعية وتُشكِّل بالضرورة عقبة أساسية أمام عودة اللاجئين والنازحين وتعد انتهاكاً سافراً لحقوق الملكية التي نصَّ عليها الدستور السوري ذاته الذي تضمن عدداً من المواد التي تضمن حقوق الملكية والتصرف فيها.
وأخيرا فإن هذه المصادرة لممتلكات و عقارات وأموال السوريين تتناقض مع روايات النظام السوري في تشجيع عودة النازحين و المهجرين ويقوض الحل السلمي في سورية لذلك فلا حل دون تنفيذ القرار 2254 لعام 2015 و تحقيق الانتقال السياسي و يجب أن يتم إدراج حقوق السكن والأراضي و الممتلكات (HLP) في اي عملية سلام كملف اساسي لا يمكن الوصول لحل سياسي دون تطبيق معالجة عادلة لهذه الحقوق ورد وحماية حقوق الملكية للسوريين و أن يضمن الدستور الانتقالي حقوق السكن و الأراضي و الممتلكات بعبارات واضحة تعيد الحق لأصحابه وعدم المضي بمشاريع إعادة الإعمار إلا بعد تحقيق عودة اللاجئين و النازحين و رد مساكنهم و ممتلكاتهم و أن ينظر لعمليات الرد على أنها جزء من العدالة التعويضية و المصالحة والتماسك الاجتماعي.